العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ

الحرب على لبنان كانت حرباً عالمية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ماذا لدى الرئيس الأميركي من جديد؟

إنه يحاسب الحكومة اللبنانية لسماحها للمقاومة الإسلامية أن توجد على حدود لبنان، ما سمح بالحرب التي حدثت في 12 يوليو/ تموز بعد أسر الجنديين الإسرائيليين! ولكنه لم يحاسب العدو الصهيوني لاختراقه حدود لبنان جواً وبحراً وبراً طيلة السنين الماضية بما يبلغ مئات المرات، ولم يحاسبه على اختطافه لعدد من اللبنانيين من داخل بيوتهم أو في عرض البحر، ولم يتحدث عن الأسلحة الأميركية المتطورة لدى «إسرائيل» التي تهدد بها لبنان، ما أدى إلى أن تتحمّل المقاومة مسئولية الدفاع عن أرضها وشعبها، وتطرح على المسئولين وضع استراتيجية للدفاع عن الوطن في مؤتمر الحوار الوطني، لأن مشكلة الرئيس الأميركي أنه ينظر إلى الأمور بعين واحدة لا ترى إلا «إسرائيل» في استراتيجيته لأمنها الذي يعتدي على أمن الآخرين.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يرفع مستوى تهديداته لإيران ونظامها ورئيسها الذي وصفه بـ «الطاغية»، بعدما اعتبر أن ما أسمّاه التطرف الشيعي «يعادل التطرف السني في خطره على الأميركيين وعدائه لأميركا»... وفي موازاة خطورة التهديد الذي أصدره الرئيس بوش، نَشَرَ البيت الأبيض الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب التي لم تعد تركز على تنظيم القاعدة، بل على إيران وما أسمّاها «المجموعات الصغيرة» مثل حزب الله وحركتي حماس والجهاد، وعلى اعتبار سورية «دولة داعمة للإرهاب» لتأييدها لهذه المجموعات، واتهام إيران بـ «التخطيط لامتلاك السلاح النووي الذي يمنحها فرصة لابتزاز العالم، وتشكيل خطر أكبر على الشعب الأميركي»، بحسب زعمه.

ونحن أمام ذلك كله نتساءل: من الطاغية؟ أليس هو الذي يبعث بكل قوته العسكرية بالإضافة إلى قوات حلف الأطلسي لاحتلال أفغانستان تحت شعار مكافحة الإرهاب، إذ لايزال الشعب الأفغاني يواجه حتى الآن المجازر اليومية في استخدام السلاح الأميركي ضد المدنيين العزل، وكذلك الأمر في احتلال العراق الذي لايزال يواجه الفوضى الأمنية التي تتمثل في المجازر المتحركة ضد المدنيين، من خلال الفئات التي يدعمها بشكل غير مباشر، من أجل التخطيط لبقائه مدة أطول لتنفيذ استراتيجيته في استخدام العراق كجسر للضغط على دول الجوار في المنطقة، وكمصدر للثروة النفطية في خطته للسيطرة على نفط العالم؟

ويتجدد السؤال: من الطاغية؟ أليس هو الرئيس بوش مع إدارته الحاقدة على العرب والمسلمين في حربه على لبنان التي خطط لها مع «إسرائيل» لتدمير بنيته التحتية، وفي المجازر الوحشية وتهديم البيوت على رؤوس المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ في قرى الجنوب وفي الضاحية وأماكن أخرى، تحت شعار «الحرب على حزب الله» الذي كان يتحرك في ساحة المعركة ضد العدو لا في المواقع المدنية؟ أليس الطاغية هو الذي ينصب جسراً جوياً لنقل القنابل الذكية المتطورة للعدو الإسرائيلي في أثناء الحرب لقتل المزيد من المدنيين، لأن هذا العدو لم يستخدم هذه القنابل إلا ضد المدنيين والمواقع المدنية؟!

إن أميركا، التي لا تزال تخطط للتعويض عن هزيمة «إسرائيل» في الحرب باستغلال مجلس الأمن لإصدار القرارات ضد لبنان بطريقة ملتبسة تخدم العدو، لاتزال تحاصر لبنان سياسياً، في خطة خبيثة متحركة لتحويله إلى ساحة من ساحات الصراع لخدمة مشروعها في المنطقة، في حركة حرب المحاور التي تديرها في إطار مصالحها الاستراتيجية، الأمر الذي سوف يجعل من هذا البلد ساحة لا تعرف الاستقرار في حركة اللعبة الأميركية التي يديرها سفيرها من جهة، والمندوبون الأميركيون المتوافدون على لبنان من جهة ثانية، والفريق الداخلي الذي يخدم خطوطها السياسية من جهة ثالثة.

ومن جانب آخر، فإننا نتابع زعماء الغرب المتحالفين مع أمريكا الضاغطة على قراراتهم ومع «إسرائيل»، هؤلاء الذين يتحدثون بأسلوب نفاقي خادع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وبعضهم غارق حتى أذنيه في دماء العراقيين بعد جريمة احتلال العراق، كما أن عدداً كبيراً منهم يحوّل عينيه عن فلسطين حتى لا يرى القتل اليومي المفتوح الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها.

ومازالت هذه الدول تتابع تداعيات الحرب الإسرائيلية الأميركية ضد لبنان، والتي فاقت في وحشيتها واستهدافاتها التدميرية كل الحدود المتوقعة لأي حرب، بل كانوا يحرّضون «إسرائيل» على متابعتها بأقصى ما تقدر عليه من قسوة وقدرة على التدمير، مع التنويه بـ «جهدها الاستثنائي» في القضاء على ما يسمونه الإرهاب حتى وهم يشاهدون صور مذابح الأطفال في قانا وأخواتها من قرى الجنوب والبقاع وضواحي بيروت الجنوبية، وصور التدمير الممنهج للبنان في بنيته التحتية ومؤسساته، للقضاء على مقوّمات الحياة في معظم أنحائه.

لقد كانت هذه الحرب حرباً عالمية ضد لبنان بقيادة أميركا، التي كانت تستهدف إسقاط المقاومة وتسجيل انتصار لـ «إسرائيل» التي تخطط لاستكمال استعراض قوتها ضد العالم العربي والإسلامي، ولكنها واجهت الهزيمة المنكرة باعتراف أركان العدو بفضل جهاد المجاهدين الذين باعوا أنفسهم لله، وأخلصوا جهادهم في سبيل المستضعفين من عباد الله... وإذا كانت القوى الدولية قد استنفرت جنودها للقدوم إلى لبنان لتفرض الرقابة الدولية عليه، فإنها لا تستهدف حماية لبنان بل حماية «إسرائيل»، ولذلك كانت تخضع للشروط الإسرائيلية في تواجدها وفي عديدها ونوعية دولها.

إننا نقول للرئيس بوش: لقد استطعت أن تكون النموذج الوحشي الأعلى في الطغيان، لأنك لا تزال مع إدارتك المتطرفة الحاقدة تهدد الشرق الأوسط، وتكيل الاتهامات للمعارضين لسياستك من دون حساب، في منطق يبعث على السخرية في حديثك عن الخطر على أميركا من إيران، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الخطر هو على العالم كله من القوة الأميركية المستكبرة في تخطيطها لأكثر من حرب استباقية، ولاسيما في ذكرى أحداث 1 سبتمبر/ أيلول التي استغلتها الإدارة الأميركية لفرض سيطرتها على العالم، في الوقت الذي يلاحظ فيه الجميع أن هذه الحوادث لم تخضع لأيّ قانون قضائي يحدد فيه المسئوليات بشكل دقيق، لأن هناك أسراراً خفية في العمق لا يجرؤ البعض على إظهارها خوفاً من انقلاب السحر على الساحر.

لقد أطلقت أميركا الحرب ضد ما تسميه الإرهاب تحت تأثير هذه الحوادث، ولكنها لم تحدد مضمون الإرهاب، ولذلك اعتبرت المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين إرهاباً، كما اعتبرت المقاومة ضد احتلالها في العراق وأفغانستان إرهاباً، ثم وضعت المقاومة الإسلامية في لبنان ضد المحتل في الخانة نفسها... ونحن نعرف أن النموذج الأكثر وحشية للإرهاب هو إرهاب الدولة في «إسرائيل» وأميركا، وهو ما يجب أن يعرفه العالم ويقف ضده، في خطة واسعة تحرر الإنسانية من شروره.

أما حديث الرئيس الأميركي عمّا أسماه «التطرف الشيعي والسنيّ»، فإنه ليس حديثاً موزوناً، لأن ما يعتبره من التطرف هو رد فعل للتطرف الأميركي ضد الإسلام والمسلمين، في سياسته الحاقدة ضد الدين الإسلامي وضد المسلمين، بمن فيهم مسلمو أميركا.

أما في لبنان، فإننا ندعو إلى الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، وإعادة الحوار إلى مواقعه السياسية الموضوعية التي يمكن أن تفتح المستقبل اللبناني على قضايا الحرية والعدالة والسيادة والاستقلال، وأن تبتعد بالبلد عن أية وصاية دولية أمريكية أو أوروبية كما هي بعض المظاهر في الواقع اللبناني وأن يتعاون الجميع في صناعة الدولة التي تملك القدرة على الدفاع ضد العدوان، لا الدولة التي تستقيل من الدفاع تحت شعار أنها تقف على الحياد بين العدوّ والمقاومة... ثم، لا بد من التخطيط القانوني العملي لإدارة تحاسب المفسدين على فسادهم، سواء أكان الفساد في الماضي عندما كان البعض في موقع المسئولية، أو في الحاضر والمستقبل.

إن الشعب يريد دولة يمارس فيها المسئولون مسئوليتهم على أساس النظافة والنـزاهة والعدالة، فلا يبقى أحد فوق القانون، ولا يسقط الشعب تحت تأثير المحاور العائلية والطائفية والحزبية، ولا يصادر الطائفيون لبنان لحساب هذه الطائفة أو تلك في امتيازاتهم الطائفية، مسيحية أو إسلامية، بل يكون لبنان الوطن للمواطنين كلهم من دون تمييز، فهل نحلم بالوصول إلى هذا الوطن في مستقبل الأحلام؟

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً