إن تقديم الديمقراطية وتعزيزها والحفاظ عليها ليس بالأمر اليسير. تواجه الديمقراطية تحديات عدة شأنها بذلك شأن سائر الأمور الحسنة الأخرى في حياتنا. ولكن يمكن التغلب عليها جميعاً. ومن المهم جداً أن نتعلم من تجارب الآخرين الذين خرجوا من ظلمات الدكتاتورية والطغيان إلى نور الديمقراطية الدستورية.
1- تحدي التوقعات
المغالاة في التوقعات: إذا كانت التوقعات عالية على نحو غير واقعي، وكان الناس يتوقعون من الديمقراطية أن تجلب الازدهار والصحة والتعليم، فإنهم سيصابون بخيبة أمل كبيرة وسيسقط دعمهم للديمقراطية ويتلاشى. ليست الديمقراطية سحراً. ولا يعني الحصول على الديمقراطية ضماناً للسعادة والصحة والغنى بين ليلة وضحاها. فكل ما يمكن للديمقراطية أن تضمنه هو الحق «في البحث عن السعادة». إذ يجب كسب على كل ما تقدم ذكره من خلال العمل الجدي في المجتمعات التي يحكمها القانون ويسودها العدل، وليس مصادرتها من قبل طغيان الأقوى.
تدني مستوى التوقعات: إذا كانت التوقعات هابطة، وتوقع الناس انتخابات غير عادلة، وتصرفات غير قانونية وغير عادلة من قبل بعض مسئولي الحكومة، وتسخيراً عنيفاً من قبل رجال الشرطة ورضوا بكل ما تقدم، فإن الشعب عندئذ سيستسلم للعيش وفقاً للمظهر الخارجي للديمقراطية فقط وليس مضمونها الجوهري. في الحكومات الفاسدة وغير الديمقراطية، يصاب الشعب بالدهشة عندما يتصرف المسئولون وفقاً للقانون. أما في البلدان الديمقراطية التي يحكمها القانون، يندهش الشعب عندما يتصرف المسئولون بشكل منافٍ للقانون.
إن التوقعات الواقعية هي المفتاح لتعزيز الديمقراطية وترسيخها. إذا كان الناس يتوقعون نتائجاً سحرية من الديمقراطية، فسيصابون بخيبة أمل وسيهجرون الديمقراطية. ومن ناحية اخرى، إذا لم يتوقع الناس من مسئولي الحكومة تصرفات عادلة أو انتخابات نزيهة، فانهم قد لا يصابون بخيبة أمل، ولكنهم من دون شك لن يتمتعوا بالديمقراطية لوقت طويل.
2- تحدي الشرف
من المهم أن يفهم الانسان الشريف أن قبول الهزيمة في الانتخابات النزيهة - في البلدان الديمقراطية التي يحكمها القانون - أشرف له من أن يرفض القبول بها ويقاتل مستخدماً كل أنواع الأسلحة. في المجتمعات الديمقراطية الناشئة، من الصعب على الذين كانوا خصوماً للحكومة أو الذين يؤمنون بقضاياهم بشدة أن يتقبلوا إمكان فوز الطرف الآخر في الانتخابات. إن منزلة «المعارضة الوطنية المخلصة» هي منزلة شريفة. إذ ربما تحل هذه المعارضة في يومٍ ما محل الحكومة الحالية، عندها يجب على الحكومة الحالية أن تظهر التزامها بالشرف في أن تكون هي معارضة وطنية. من المخجل أن نرفض نتائج انتخابات عادلة في بلد ديمقراطي دستوري.
يمكن الحصول على شرف الديمقراطية بسهولة عندما يفهم الجميع أن خسارة الانتخابات لا تعني خسارة كل شيء، لأن الديمقراطية الدستورية تحمي حقوق الحياة والحرية والملكية، وتمكّن المعارضة الوطنية الحالية من أن تكون حكومة في الانتخابات المستقبلية.
3- تحدي التعددية
إن نظريات الديمقراطية القائمة على أساس ادعاءات «إرادة الأمة» كثيراً ما تؤول الى الفشل. يمكن أن تتكون الأمة من خليط من الأفراد والعائلات والعشائر والمجتمعات الدينية والمدن والمناطق والمجموعات العرقية. ليست الأمة كالفرد الواحد الذي يكون له رأي واحد ونهائي إزاء قضية واحدة. إذا حاول أي بلد ديمقراطي أن يصر على مبدأ تماثل الآراء في الكثير من الأمور، ستجد الأمة أنها منقسمة على نفسها. وستكون هناك صراعات ربما تؤدي الى اندلاع أعمال عنف.
من المهم أن تكون الأمور التي تقررها العمليات الديمقراطية محددة، إذا كنا نريد أن تكون ديمقراطيتنا منسجمة ومستقرة. في الديمقراطية الدستورية المستقرة، هناك الكثير من القضايا لا تبت بها الانتخابات الديمقراطية ولكنها رهن بالاختيار الحر للمجموعات والأفراد، والذين يتولى الدستور حماية حقوقهم.
إن الحريات المحمية دستورياً ذات أهمية خاصة في الدول ذات «الأقليات الدائمية» مثل الجماعات الدينية والعرقية. فإذا ما اقتنع هؤلاء أنهم غير قادرين على أن يصبحوا غالبية ليفوزوا في الانتخابات في يوم ما وأن غالبية حقوقهم الأساسية ستسلب اذا ما بقوا أقلية، فإنهم سيشعرون بعزلة تامة وربما يلجأون إلى العنف.
لا توجد هناك «إرادة واحدة للأمة»، بل هناك إرادات ووجهات نظر واهتمامات وآراء مختلفة. يجب الاحتراس من الساسة الذين يدعون بأن هناك ارادة واحدة للأمة وأنهم يمثلون صوتها الشرعي الوحيد. إذا كان من الممكن التكلم عن «ارادة الأمة» بشكل هادف، يمكن حينها الإشارة الى الدستور فقط، وليس الأشارة إلى قائد أو قرار سياسي أو قضية ما، لأن الدستور في حد ذاته بحمايته للحقوق هو المعيار الوحيد لوحدة الأمة.
4- تحدي العدالة
هناك خطر من تحول الديمقراطية الى أداة للظلم وخصوصاً في المجتمعات ذات التنوعات العرقية أو الدينية أو العائلية أو العشائرية أو اللغوية القوية. عندما تحصل مشكلات ما، يقوم الكثير من الساسة بإلقاء اللائمة على المجموعات الأخرى، وعلى الغالب الأقليات، ومن ثم يطالبون الدولة بمعاقبتهم ومصادرة ممتلكاتهم. يمكن للجماعة التي فازت اليوم وسلبت أموال الغير أن تخسر غداً وتخسر كل ما حصلت عليه بل أكثر من ذلك. ويخسر الجميع في نهاية المطاف. إن تقييد نشاطات الحكومة بالقانون، وعدم اعتبار سياسة الدولة وسيلة لتكريم مناصري الحكومة ولمعاقبة مناوئيها، يجعل الدولة الديمقراطية الدستورية قادرة على ان تجلب الازدهار للجميع.
إن سرقة مجموعة معينة وجزل العطاء للآخرين لا يفضي بالدولة إلا الى الفقر. يجب أن يكون هَمّ الدولة الوحيد هو الدفاع عن العدالة ضد العدوان. عندما تكون الدولة أداة للعدوان والعنف، تكون الديمقراطية في خطر.
توم جي. بالمر
زميل في معهد كيتو في واشنطن . حاز درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوكسفورد. ينشر المقال بالتنسيق مع «مصباح الحريةء
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ