إن إجمالي إنتاج وتصدير الـ 280 مليون عربي اليوم لا يساوي انتاج 5 ملايين نسمة، هم سكان دولة فنلندا!، ومع ذلك، لابد أن نتحمل كل يوم قراءة بعض الهراء على شاكلة تلك المقولات الكبرى «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»!
كيف لنا أن نتجاوز هذه المقولات الكبرى المعوقة؟، وهذه الحالة المرضية تتمادى وتستفحل كل يوم، إذ يلعب خطاب التاريخ المكذوب لعبته المميتة فينا، فلا نكاد ننفك من «وهم» كان يأسرنا، حتى يتفنن القومجيون العروبيون في تأسيس آخر أكثر تدميراً وسلبية.
وتستمر اللعبة، ويتمادى بنا هذيان الماضي، لينتج لنا هذا اليوم اللقيط من وراء التاريخ، فلا نحن في سحيق التاريخ نعيش، ولا صلة لنا بالحاضر، فنكون أولئك العَصِيَّة أحلامهم على الواقع، أو المحجوزة عقولهم عن معايشة الغد بما فيه من متغيرات ومستجدات، ولا ننفك عن أيامنا إلا بالمزيد والمزيد من اللاتوازن، الذي أصبحت لنا فيه ألفة عهدناها كمالاً يفتخر به أصحاب الأحلام المليئة بالغبار.
أنتجت القومية هرمسيتها الجديدة، وأضافت إلى مآسينا الماثلة في ميتافيزيقيا الإسلاميين مأساة أحدث، فأينما ولت وجوهنا لا تجد لليوم نصيباً يذكر، أحدهم يفكر في التاريخ، والآخر مهووس بمآلات الآخرة.
«أمة عربية خامدة، ذات رسالة فاسدة» فلسفتها البقاء على أوهام «لا صوت فوق صوت المعركة»، «الزعماء التاريخيون كنوز لابد أن تستمر»، «هذه شعوب ليست جاهزة للديمقراطية».
أمة عربية صوتها خفاء، ونهضتها عواء، وما يستجد في شأنها لا يزيد على استجداء أسياد العالم في البقاء. أنموذجها سجون عبدالناصر لمعارضيه، ومقابر صدام لمناوئيه، وآخرون ينتظرون دورهم في اضطرام وأوام.
أمة عربية ينقذها من النسيان بضع آبار من النفط، ومسجد أو مسجدان، وكنيسة تاريخية يحج لها الناس في لحظات ضعفهم. أمة تعليمها فراغات من الصفاقة والتلقين، نهضتها - إن نهضت - يصنعها الآخرون، فهي لا تثق بأبنائها بعد أن أفرغتهم من المضمون قبل أن تقتلهم في مقابرها وسجونها المليونية.
ستصنع السجون والأوهام أمة واحدة، وستكون أمة ذات رسالة. لكن، أي رسالة؟، رسالة من خراب. اليوم، بدأنا في الانصهار مع العالم بأهم رموزنا الثقافية، مفاده هذا الرمز، كيف يبرع الإنسان في تحطيم (قتل) ذبح أبنائه من دون رحمة!.
ما بين الأمة الواحدة والرسالة الخالدة تاريخ «مسخ»... ضرره أكثر من نفعه. وعلى المتجاوزين لـ «هراء التاريخ» ألا تلتف بهم لحظة أمل في التجاوز لهراء بات يمثل كبد الحقيقة تلعب به الغطرسة والأحكام العرفية ونسخ الديمقراطية الزائفة من وراء ستار
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1459 - الأحد 03 سبتمبر 2006م الموافق 09 شعبان 1427هـ