أوشك المجتمع البحريني الواعي بالدخول في مرحلة جديدة تمتد لأربع سنوات مقبلة من الحياة الديمقراطية التي رسمها شعب البحرين من خلال مطالباته منذ سنين عدة بالمشاركة في قيادة البلد نحو التطور والتخطيط للمستقبل وللأجيال القادمة، والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك وضع تطلعات هذا الشعب قيد التنفيذ من خلال ما تضمنه مشروع الميثاق الوطني والدستور المعدل. ما يدور هذه الأيام من حراك مجتمعي ونخبوي يكشف عن رغبة جامحة في المشاركة نحو تحقيق ما يتطلع له شعب البحرين.
ويمكن تقسيم هذا الحراك الى ثلاثة أقسام: حراك حكومي، حراك جمعيات سياسية، حراك شعبي. الحراك الحكومي يتمثل في التخطيط الى المرحلة المقبلة من خلال منظورين، هما: التغيير الوزاري بعد الانتخابات، والتعيين في مجلس الشورى.
ويبدو من خلال هذا الحراك الصمت المطبق الذي تمارسه الحكومة في التخطيط السري وعلى أعلى المستويات لبلورة هذين المنظورين. فلا أحد يستطيع التكهن بالتغيير الوزاري ولا الى المعايير المتبعة في الاختيار ولا معايير تقييم الأداء للوزراء، إلا أن المتابع قد لحظ أداء الوزراء خلال السنوات الأربع الماضية من عمر التجربة البرلمانية الأولى، إذ شهدت بعض الوزارات انتكاسات وتغييرات بينما شهدت وزارات أخرى تطوراً ملحوظاً في الأداء، كما لا يستطيع البرلمان التدخل في التعيينات الوزارية لعدم وجود تشريع ينص على عرض الحكومة على البرلمان للتصديق عليها. وإنما ما يستطيع أن يشكله البرلمان من قوة في هذا المجال هو الضغط على الحكومة من اجل إجراء تغيير في سياسة ما أو في طريقة ما في الأداء وذلك من خلال الرقابة المباشرة.
أما التعيين في مجلس الشورى فهو يخضع لاعتبارات سياسية واجتماعية ومصلحية في آن واحد. فالاعتبارات السياسية تكون بعد الانتخابات البرلمانية فإذا شهدنا برلماناً قوياً قادراً على المواجهة مع الحكومة فإن التعيين سيكون قوياً وقادراً على المواجهة لأن نظام المجلسين وجد من أجل كبح جماح المندفعين من أجل تحقيق ما لا تستطيع الحكومة عمله أو ما لا يستطيع شعب البحرين تحمله بغض النظر عن السلبيات التي رافقت عمر التجربة الأولى من عدم تحمل المجلسين المسئولية الملقاة على عواتقهم في تمثيل الشعب بالدرجة الأولى، أما الاعتبارات الاجتماعية فتتمثل في تعيين أشخاص من جمعيات يكون تأثيرها محصورا في أعضائها فقط، أو لا شأن لهم بالسياسة وإنما هم متخصصون في مجالات معينة كالاقتصاد والصحافة والطب وغيرها من المجالات.
أما ما يخص من اعتبارات مصلحية فإن المجلس السابق شهد انتقادات من بعض المهتمين والسياسيين بأن بعض الأعضاء تم تعيينهم وهم لا يحملون الشروط التي نص عليها الدستور في مادته رقم ،53 أما الجمعيات السياسية فقد انشغلت هذه الأيام بمحورين، هما: الانتخابات البلدية والانتخابات البرلمانية. والمتابع يلاحظ ما تفرده الصحف يومياً من أخبار سواء كانت موثقة من الجمعيات أو من مصادر أخرى عن الحراك السياسي داخل هذه الجمعيات، فالتحالفات والمشاورات والمناقشات تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام هذه الجمعيات للتخطيط لهذه الانتخابات.
إن ما يلفت الانتباه من خلال هذا الحراك هو ظهور أكثر من متحدث من الجمعية السياسية الواحدة نفسها، ما يعني وجود رؤى مختلفة، أو وجود أشخاص يودون فرض وجودهم من خلال التصريحات الصحافية المستمرة. وبطبيعة الحال لا يستطيع أي شخص في أية جمعية كانت أن ينتقص من مكانته ومنزلته الاجتماعية، ولا يريد لأي شخص أن يملي عليه ما يجب أن يفعله وما لا يفعله، كما أن هؤلاء الأشخاص بعضهم يتمتع بتاريخ وبحضور مميز على مستويات مختلفة لذلك نجد أن تصريحاتهم الصحافية تكثر هذه الأيام للفت الانتباه.
الانتماء إلى الجمعيات السياسية في البحرين هو كالانتماء إلى الأندية الرياضية فـ «الاسم شائع والبطن جائع» كما يقول المثل الشعبي لدينا في البحرين، ولكن عندما يتم ترشيحه من قبل هذه الجمعيات فإن الاسم شائع والبطن ممتلئ، وهذا ما يسعى إليه البعض الذين وصلوا إلى جمعيات معينة فهم إنما يمثلون أنفسهم ولا يمثلون الناس.
فيما يخص الحراك الشعبي، فقد ظهر على السطح ما يدور حالياً في بعض المجالس من ثورة بيضاء على مرشحين تعينهم الجمعيات السياسية ليكونوا ممثلين عن الشعب في البرلمان، وعلى رغم أن الحراك الشعبي يبدو باهتاً وغير مكترث حالياً بما يدور فإن المستقبل القريب ينبئ بكارثة إذا ما تحركت بعض الجمعيات وسخرت إمكاناتها في فرض أسماء معينة لتكون ممثلة لها عن الناس في البرلمان أو ظهرت شخصيات ذات نفوذ أو جاه لترشيح نفسها مستغلة حاجات الناس وغفلة المجتمع.
ولكن كيف يمكن تحريك الشارع على خط متواز بما تقوم به الجمعيات السياسية وهذه الشخصيات؟ نعتقد أن الصحافة تلعب دوراً مهماً في هذا المجال وكذلك المجالس والأندية والشخصيات الاجتماعية ذات التأثير في إيضاح من يجب أن يمثل الناس بعيداً عن العاطفة واستغلال الدين والاسم والتاريخ، فكم من شخص يتمتع بالخلق والدين والتاريخ ولكنه لا يستطيع القيام بالدور المطلوب منه في إيصال صوت الناس وتحقيق متطلباتهم والقيام بدور المشرع لحل المعضلات التي تواجه جميع شعب البحرين؟
إن ما ينبغي عمله في الفترة المقبلة هو التكاتف والتعاون بين مختلف الأطراف، فالحكومة مطلوب منها الشفافية في التعامل والانفتاح على المجتمع وتطمين النفوس بما تقوم به وغرس الثقة لأن الحكومة في أي بلد هي المعيل والراعي والمدافع عن مصالح شعبها ونحن في البحرين ننظر الى الحكومة على أنها الأب لهذه الأسرة.
أما الجمعيات السياسية فعليها الحذر من الانجرار وراء الآخرين الساعين إلى فرض رؤاهم بعيدا عما يتطلع إليه شعب البحرين عموماً، كما عليهم حسن الاختيار فيمن سيدخل المنافسة في الانتخابات البلدية والبرلمانية بعيداً عن المصالح الفئوية والحزبية والعمل بيد واحدة مع الحكومة لمصلحة البلد وأهله. أما شعب البحرين فمطلوب منه الوعي أكثر كما عرف عنه في التمحيص وحسن الاختيار بين المترشحين والاعتماد على القناعة الذاتية وعدم الاعتماد على الجمعيات السياسية أو أية جهة أخرى في فرض أسماء معينة لتكون ممثلة في إيصال صوت الشعب
إقرأ أيضا لـ "حسين خميس"العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ