العدد 1454 - الثلثاء 29 أغسطس 2006م الموافق 04 شعبان 1427هـ

سفراؤنا وسفراؤهم!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أعني بـ «سفراؤنا» سفراء الدول العربية، أما «سفراؤهم» فأعني بها سفراء اليهود، وكما هو معروف فإن السفراء العرب منتشرون في جميع دول العالم عدا البعض لم يصل إلى «إسرائيل». ومعروف كذلك أن السفراء الصهاينة موجودون في كل دول العالم، عدا بعض الدول التي لم تعترف بهم حتى الآن.

ومن نافلة القول إن أي سفير مطلوب منه أن يمثل بلاده في كل توجهاتها؛ السياسية والفكرية والدينية، كما يجب عليه في الوقت نفسه أن يقدم صورة بلاده الحسنة في كل المحافل والمنتديات - مهما كان نوعها - ولكي يقوم بهذا الدور ينبغي عليه أولاً أن يكون مقتنعاً بصورة كاملة بأهداف بلاده كلها لكي يحسن نقل هذه القناعات إلى الآخرين، ومن دون هذه القناعة التي يجب أن تظهر عليه سيكون عاجزاً بالكلية عن فعل أي شيء له قيمة يخدم بها مصالح بلاده.

ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاً، فإن أي سفير يمثل دولة تجعل الإسلام دستورها لا يمكن أن يقنع الآخرين بمنهج دولته إذا كان لا يطبق هذا الإسلام بصورة كاملة هو وأسرته وأفراد سفارته، لأن الآخرين ينظرون إليه من خلال أفعاله وليس من خلال أقواله... وبالمثل، فإن أي سفير عربي لا يرى فعل أي شيء لمقاومة الاحتلال الصهيوني لا يمكنه ملاحظة الأشياء الصغيرة والكبيرة التي تخدم فكرته ومن ثم القيام بها خدمة لأهداف دولته التي يمثلها.

«الغبش» في الرؤية نراه واضحاً لدى سفرائنا، بينما نرى العكس لدى السفراء الصهاينة الذين يمثلون بلادهم بكل أهدافها التوسعية وبكل الغطرسة التي ملأت نفوسهم بسبب وقوف كثير من دول العالم معهم وبسبب الضعف العربي والإسلامي الذي مكَّن لهم وأعطاهم قناعة تامة بأن العرب لن يتحركوا مهما فُعل بهم، ومهما أُهينوا حتى في بلادهم.

سأكتفي بضرب بعض الأمثلة لكي يتضح الفارق بين سفراء العرب وبين سفراء الصهاينة في العمل على خدمة بلادهم وبكل أهدافها...

صحيفة «الاتحاد» الإماراتية نشرت قبل بضعة أيام خبراً مفاده أن سفير «إسرائيل» في القاهرة طلب رسمياً - وعلى لسان حكومته - من مصر إدخال اللغة العبرية في مناهج الدراسة لطلبة المرحلة الابتدائية... وعلل السفير شالوم كوهين هذا الطلب بأنه يأتي متوافقاً مع اتفاق كامب ديفيد المعروف بـ «اتفاق السلام»، ومن ضمن بنوده أن يكون هناك تطبيع كامل بين مصر و«إسرائيل».

وأظهر السفير كرماً «حاتمياً» عندما أعلن أن بلاده ستتكفل بالإنفاق الكامل على المدرسين المصريين الذين يُفترض أنهم سيذهبون إلى «إسرائيل» لتعلم هذه اللغة وتعلم تدريسها بعد ذلك... كما تكفل أيضاً بأن تقوم حكومته بإهداء جميع الكتب العبرية إلى الحكومة المصرية ومن دون مقابل.

الخبر يقول: إن الحكومة المصرية لم ترد على هذا الطلب حتى الآن، وبعيداً عن طبيعة الرد فإن تقديم هذا الطلب وفي هذا الوقت يظهر مدى استهتار «إسرائيل» بالعرب وبمصر.

نعرف أن الصهاينة سبق وأن اعترضوا على بعض الموضوعات التي تُدّرَّس في المناهج المصرية وفي مناهج بعض الدول الأخرى التي لها علاقة مع الصهاينة، هذه الموضوعات - المُعترض عليها - هي كل موضوع يسيء إلى اليهود بحسب وجهة نظرهم، ومعروف لدى كل مسلم أن القرآن الكريم والسيرة المطهرة كليهما تحدثا عن جرائم اليهود، ومعروف كذلك أن تاريخ اليهود مع المسلمين - عموماً - تاريخ سيئ، ولذلك فمن وجهة النظر الصهيونية أن «التطبيع» يقتضي حذف كل تلك الأشياء من المناهج العربية لأن وجوده يخالف اتفاق السلام!

للصهاينة أن يطلبوا ما يشاؤون، فهم يبحثون عن مصالحهم، ولكن العيب كله في الدول التي استجابت لبعض مطالبهم، ولولا بقية من الحياء لاستجابوا لكل تلك المطالب.

الكل يعرف - العرب واليهود - أن اتفاق السلام وُلد ميتاً، والكل فهم من عمرو موسى أن السلام لم يعد موجوداً، والكل يعرف أن «إسرائيل» - وحدها - هي التي استفادت من ذلك السلام، ومع هذا كله فمازالت «إسرائيل» تستغل العرب - لضعفهم - استناداً إلى سلام مزعوم لا وجود له أصلاً.

هل تستطيع مصر - مثلاً - أن تطلب من «إسرائيل» تدريس اللغة العربية أو القرآن الكريم في مدارسها؟ وهل تستطيع مصر أن تطلب من «إسرائيل» عدم تشويه التاريخ الإسلامي والدين الإسلامي في المدارس اليهودية؟

دعوني أنزل كثيراً، فأقول: المناهج الصهيونية تشوّه صورة الإنسان العربي في مناهجها وبكل أنواع التشويه، فهل تستطيع مصر منع ذلك استناداً إلى اتفاق السلام؟

لا شيء من ذلك على الإطلاق، بل إنني لم أسمع أن السفير المصري في تل أبيب طالب بشيء من ذلك وأصرّ عليه.

وما هو مطلوب من مصر مطلوب من كل دولة عربية تقيم علاقة مع ذلك الكيان المغتصب.

صحيفة «الشرق الأوسط» وقبل بضعة أيام، نشرت خبراً مفاده أن البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الهند طالبت سلطات مدينة مومبي بتغيير اسم مطعم أطلق عليه مالكوه اسم «صليب هتلر» ووضعوا عليه صورة هتلر وصورة صلبان معقوفة.

القنصل الصهيوني في مومبي علل هذا الطلب بأن هتلر يجب ألا يلقى أي تكريم، لأنه - بحسب زعمه - ارتكب جرائم قتل جماعية، وهو يشير بذلك إلى اليهود.

القنصل أشار إلى أن مشاعر اليهود رقيقة جداً! فهذه الصورة تسبب لهم الألم وتؤذي مشاعرهم، وأضاف - فض الله فاه - أن مثل هذا الألم يمكن اعتباره مخالفة جنائية!

القنصل يتابع حتى أسماء المطاعم، وهذه الأسماء تسبب له ولأمثاله شعوراً بالألم، لكنه يتجاهل آلاف القتلى في فلسطين ولبنان على أيدي الصهاينة، وكأن هذه الجثث لا تسبب آلاماً لأهلها ولكل العرب والمسلمين!

ينسى هذا القنصل حديثهم عن الحريات الإعلامية وهم يسيئون إلى كل المسلمين من خلال ممارساتهم العدائية لكل من هو مسلم ومن خلال وسائل الإعلام التي يملكونها!

مرة أخرى، هم يفعلون ما يرونه حقاً لهم ومحققاً لأهدافهم... ويبقى السؤال قائماً: أين دور السفراء العرب؟ ولماذا هم ساكتون؟

ممارسات السفراء اليهود كثيرة وفي أكثر من بلد - عربي غير عربي - بل إن بعض هذه الممارسات لا تتفق مع ما يُعرف فقواعد الدبلوماسية، لأنهم يرون أن كل دبلوماسية لا تحقق أهدافهم فلا قيمة لها ولا تستحق الاحترام.

يبقى أن نعرف أن جلب احترام الآخرين لا يمكن أن يتحقق إذا لم يحترم الإنسان مبادئه ويقف بقوة في هذا السبيل.

على السفراء العرب أن يمثلوا بلادهم بصورة جيدة، وليس العيب أن نتعلم من غيرنا - حتى الصهاينة - ولكن العيب أن نرى أعداءنا يتحركون بكل الوسائل لتحقيق أهدافهم ونحن لا نحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد.

معركتنا مع اليهود لم تنتهِ حتى لو تحدث البعض عن سلام تم معهم، فهم قتلوا هذا «السلام» قبل ولادته، ولن يلتفتوا إليه مطلقاً مادمنا ضعفاء، فالحق الذي لا تحميه قوة لا قيمة له.

ومادام الأمر كذلك، فعلى كل من يمثل العرب أو الإسلام - مهما كان موقعه - أن يعمل وبكل الوسائل على مقاومة المدّ الصهيوني وعلى نشر قيم الإسلام وإظهار التمسك بالحق العربي في الأرض العربية

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1454 - الثلثاء 29 أغسطس 2006م الموافق 04 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً