لا مراء، عند مقاربة التحليل بشهادات الاستنكار والاستياء التي سادت في أوساط المقبولين في كلية العلوم التطبيقية، سنجد أنها تعبير حي للغبن وغياب عدالة النظام التعليمي، وتبشر باحتمالية التوقعات التي أشار إليها المؤلف.
تصرح «فاطمة شكيب» وهي خريجة القسم التجاري بمعدل 92,7 في المئة لإحدى الصحف المحلية قائلة: إن النظام الأخير ظلمها، إذا تم قبولها لنيل درجة الدبلوم المشارك مع ان رغبتها في دارسة الأعمال المصرفية والإدارية. ووصفت النظام، بالجائر لأنه سيحرم 3000 طالب وطالبة من الحصول على درجة البكالوريوس، لاسيما ان معظم الذين لا يرغبون في الانضمام لكلية التعليم التطبيقي لا يستطيعون الانضمام للجامعات الخاصة لمحدودية دخل أسرهم.
وتضيف معها الطالبة «زهراء محمد» خريجة القسم العلمي بمعدل 88,1 في المئة: أن رغبتها هي في الحصول على بكالوريوس في نظم المعلومات وإن قبولها في الدبلوم المشارك أصابها بالإحباط، وأوصت الأجيال المقبلة بعدم إرهاق أنفسهم في الدراسة والسعي للحصول على الدرجات العليا. واعتبرت ان الجامعة أثبتت فشلها باعتماد هذا النظام وأن الجامعة لا تقبل الطلبة لكي تخفف العبء الملقى على عاتقها، أما بتصريف الطلبة عنها بطرق مباشرة أو غير مباشرة وإجبارهم على الالتحاق بالجامعات الخاصة، ووصفت ما يحدث بأنه تحايل على الطلبة.
هذه المعطيات تطرح سؤالاً بحاجة إلى إجابة صريحة: هل جامعة البحرين هي سبب الأزمة؟ الإجابة «بنعم» أو «لا»، تحتاج منا قطعاً إلى العودة مجدداً إلى تصريحات الجهات المسئولة!
غير مؤهلين ومهددين بالفصل... لماذا؟
ورد في أحد تصريحات الجامعة حديثاً - أي قبيل المؤتمر الذي عقده القائم بالمهام - بأن 56 في المئة (أي أكثر من النصف) من الطلبة المقبولين غير مؤهلين لمواصلة الدراسة في جامعة البحرين، وهذا ما أكده لاحقاً القائم بالمهام، إذ أقر بوجود تضخم في نتائج الثانوية العامة، وأنه لا خيارات أمام خريج الثانوية العامة سوى جامعة البحرين، وأن التضخم تتسع فجوته في اختبارات القدرات التي تقوم بها الجامعة، وتساءل: هل كل خريج في الثانوية العامة يجب أن يحصل على شهادة البكالوريوس؟! مبينا أن الحاصلين على معدل 90 في المئة فما فوق في الثانوية العامة بلغوا 28 في المئة وأن 2 في المئة منهم فقط استطاعوا تحقيق 90 في المئة وأكثر في اختبار القدرات، و36 في المئة منهم لم يستطيعوا تحقيق 70 في المئة فأكثر في الاختبار، مذكراً بأن مستوى اختبار القدرات هو مستوى أقل من مستوى الثاني الثانوي، وأن تلك النسب مخيفة. (الوسط 21/8/2008)، مضيفاً «أن جامعة البحرين لا تخترع القوانين والأنظمة واللوائح إنما تسعى للتطوير، وهي لا تلوم وزارة التربية».
إلى ذلك، يجوز السؤال: إذا كان هناك تضخم وتدني مستوى، والجامعة لا تلوم الوزارة، في أصل الإشكال، والطالب ليس مسئولاً عنها طبعاً، فمن المعني بهذه المشكلة أساساً؟
أظن أننا سنجد إجابة شافية لو أمعنّا النظر فيما ورد في كتاب «جودة الجودة في التربية» لمؤلفه «د. نخلة وهبة» من تحليل، يقول: «إن التربية صيرورة كلية ومعقدة، وغالباً ما تتحقق من خلال تفاعل جدلي، خلال فترة زمنية طويلة نسبياً، ما بين المتعلم ومكونات نموذج تربوي كلي تتدامج داخله العناصر الفنية، والاقتصادية، واللوجستية، والنفسية، والوجدانية والأخلاقية، والمزاجية، والمعرفية، والثقافية، والاجتماعية... الخ. وبما أن التربية هي صناعة المستقبل، لذلك يتوقع أن تعمل المدرسة على إعداد أجيال تتمتع بالمؤهلات والخصائص الشخصية والفكرية المنفتحة على المجهول والقادرة على التعامل مع تحديات العقود المقبلة غير المعروفة حالياً.
وهذا يعني أن نتوقع من خريجي المدرسة أن يمتلكوا الثقافة العامة الواسعة ويتحلوا بالفكر التحليلي النقدي وبالمرونة النفسية وبالقدرة على توظيف الطاقات الذاتية، كما القدرة على حل المشكلات والتعامل مع المتغيرات المتعاظمة في العلم والحياة. ولكن أنى للخريجين أن يتقنوا فعل ما هو متوقع منهم إذا لم يعوَّدوا ويعتادوا على ذلك من خلال حياتهم الدراسية، عبر أساتذتهم وعبر البيئة الفكرية والقيمية والتشريعية الكافية لضمان حرية التفكير والتعبير والحركة وحماية معتنقيها. بهذا المعنى تصبح التربية رؤية استراتيجية للواقع وامكاناته وللتوقعات وأفقها، وللمستقبل ومفاجأته. وغالباً ما يرتبط نجاع الفعل التربوي ونفاذه، بمدى وعي القائمين على تنفيذه بالوظائف الحقيقية لكل عنصر من عناصره».
إذاً العلة كامنة في بيئة المدرسة والنظام التعليمي والتربوي، وبالتالي، وزارة التربية والتعليم مسئولة مباشرة عن الخلل في جودة «الطالب المنتج» الذي منح شهادة ثانوية عامة عاجزة حتى عن استيفاء الحدود الدنيا من معايير القبول في جامعة البحرين. بالإضافة إلى مسئولية الدولة عامة، لأنها لا تفي بالتزاماتها برصد موازنة كافية للتعليم، وتحفز على تحويل التعليم إلى سلعة تجارية يتم تداولها في السوق بتشجيع تأسيس المدارس والجامعات الخاصة، وفقاً لمعايير ربحية كأولوية، فضلاً عن مسئوليتها في عدم تحسين ظروف معيشة المواطن وضمان حصوله على أبسط الحقوق الإنسانية في التعليم والعمل
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ