العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ

بدلاً من «نحن وهم»... الأمل في دبلوماسية المواطنة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

في بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000 كانت هناك احتجاجات متزامنة في ساحة جامعة هارفرد الاميركية. وقف على درجات المكتبة خمسون من أعضاء الجمعيات الطلابية العربية من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وجامعة هارفرد. جميعهم لبسوا السواد وحملوا يافطات بأسماء أول خمسين ضحية في فلسطين اليوم.

على الجانب الثاني من الساحة كان هناك مهرجان لدعم «إسرائيل» لمعاناتها من دورة أخرى من العنف. أنا نشأت يهودياً محافظاً وأقضي وقتاً طويلاً نسبياً في القدس وأنتمي بعمق لشعبي. ولكن مع من أقف؟ لماذا يوجد هناك مهرجانان؟ في النهاية وقفت ببلاهة في الوسط أحمل يافطة صغيرة كتب عليها «أنا أساند الحياة للإسرائيليين والفلسطينيين».

بعد مرور ست سنوات، وبينما يصاب البشر بشكل لا يمكن التعرف عليهم منه ويموتون دونما أمل في لبنان و«إسرائيل»، أفضل ألا أناقش الروايات التاريخية وألا أقارن بين الصدمة على كل من الجانبين أو أن أترك المجال لمخيلتي لأن تثور. روحي المهزومة مؤقتاً تريد أن تستغني عن الحوارات العامة التي تعرف حرب «إسرائيل» مع حزب الله على أنها بيننا نحن وبينهم. في جوهر الأمر، يريد معظمنا العيش بكرامة وأمن. بالنسبة إلى قلة هم شريرون بطبيعتهم ليس هناك سوى أمل ضئيل بالتحسين. إلا أن هناك الكثيرين منا مما يوجد منهم وأنا لا استطيع أن أصدق أن الحرب لا يمكن تجنبها. قلبي المفعم بالألم يعرف أن دبلوماسية المواطنة بين المسيحيين واليهود والمسلمين في أي مكان كانت تساعد على تحديد نتائج الحقد والخوف عن طريق تجفيف بحر العواطف حول هؤلاء الذين يؤمنون بالعنف. تأطير العنف على شكل «نحن ضدهم» يحبط إن لم يقتل كلياً جميع الحلول التخيلية.

كان يمكن لدبلوماسية المواطنة أن تقلل من احتمالات هذه الحرب. والآن بينما هي تموت أود أن أقوم بمحاولات لإعادة تشكيل الطرح العام بطرق لا تشجع على الاستقطاب والمصائد الايديولوجية غير المقدسة. وكما يضعها صديقي مؤسس منبر الأسر الإسرائيلية والفلسطينية الثكلى يتسحاق فرانكينثال «ابني قتل لأنه لا يوجد سلام».

دبلوماسية المواطنة ليست مجموعة من الإشارات غير المترابطة وإنما هي عوامل قوية لمجابهة الألم وإبرائه. حديثاً جرى حوار بين عشرات الأئمة والحاخامات تناقشوا في أشبيلية كجزء من عملية ترعاها المنظمة الفرنسية «هوم دو بارول» eloraP ed semmoH. وتقدم كلية هارتفورد الدينية دورات جديدة في بناء الشراكات الإبراهيمية.

مركز التعايش في عمّان قام للتو بزيارة المشروع التعددي بجامعة هارفرد. الوجبات الاحتفالية ودراسات الكتب في المساجد والكنائس والمعابد المحلية تزداد عدداً وتنوعاً ويرعاها مركز العلاقات اليهودية - المسلمة في بوسطن. حاخام أميركي تحدث حديثاً أمام آلاف من المسلمين في سورية، وأمام الكثير من اللاجئين العراقيين الذين حيوه بدفء حتى في وسط الحرب.

مشروعات الخدمات المجتمعية لجوهر حوار الديانات للشباب في شيكاغو أخذت تتوسع في جميع أرجاء الولايات المتحدة. مركز «إسرائيل» فلسطين للبحوث والمعلومات يقدم تعاليم السلام للأساتذة في فلسطين و«إسرائيل». هناك المئات من مبادرات المواطنين الأخرى مثل تلك التي تحفظ كأسرار صنع السلام. اعلم أنه على صعيد شخصي يتلوى الكثير من أقربائي اليهود وأصدقائي وزملائي ألماً على القتلى اللبنانيين بين المدنيين. إلا أن معظم الخطب العامة من قبل الجالية اليهودية لا تضم سوى ذكر بسيط للمعاناة اللبنانية. شيء تقريباً في ساحتنا العامة مؤطر «بنحن ضدهم» فإن الطرح يتخذ طابعاً دفاعياً أرعناً. سلاح جوي قوي لا فاعلية له في إطفاء الرعب الوجودي للكثير من الإسرائيليين واليهود.

لا يوجد سوى القليل من المساحة العامة البكر للتفكير بالخوف العميق من أن «تمحى (إسرائيل) عن الخريطة». وفي الوقت نفسه لأن نعرب عما نشعر به حقيقة - الحزن واليأس على النساء اللبنانيات القتيلات والأطفال والرجال، والشك العميق بشأن كيفية مصارعة تهديد قاتل.

دبلوماسية المواطنة ليست ما يسميه أخي (بخليط مثير للسخرية من الدفاع والازدراء) «برنامج للترحيب بالإرهابيين». بل انها دعوة للكلام والتصرف بأسلوب سلام تجاه بعضنا بعضاً عندما يكون منطق السلام فارضاً. دبلوماسية المواطنة ممكنة لأن الشعوب مكونة من البشر. الشعوب ليست كتلاً صخرية «كبيرة غير متحركة ضخمة لا تتغير ذات شخصية متساوية يصعب التعامل معها على مستوى البشر».

الشعوب هي مجموعة منا جميعاً، الغالبية السلمية، قلة منهم هم الأقلية الحاقدة التي لا يمكن استرجاعها. هذا هو السبب الجذري للأمل.

تامار ميللر

المدير التنفيذي السابق لمعهد السياسة الاجتماعية والاقتصادية بجامعة هارفرد الأميركية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً