لم يكن الاعتداء اليهودي الصهيوني، والصهيوني الأميركي البربري المافيوي المبيت على لبنان، إلا استكمالاً لجوانب ذيول المؤامرة العربية الخيانية المتفق عليها مع المافيا اليهودية الصهيونية التي زرع أصولها وعد بلفور، والتي تنفذ حكومات عربية جوانبها السرية بشرائهم الأسلحة بالمليارات من بريطانيا، ومن أميركا.
غير أن الملاحظ والملفت للانتباه في حوادث الاعتداء على لبنان أن الرياح لم تأتِ كما تشتهي أشرعة سفن رؤساء وحكام الخيانة بحلو الرياح، بل جاءت عاصفة هوجاء أثارها الرب على يد حزب الله، وقائده الثائر العظيم السيدحسن نصرالله، لتصفع الوجوه الكالحة، ولتقلب كل الموازين، وتغيّر مجمل نتائج المعادلات وحساباتها وثوابتها التي آمن بها وارتكن إليها واستند إليها مجرمو الخيانات من الرؤساء المتهالكين المائعين بما يشبه منظرهم وهم يتمايلون المثل الثالث وملوك عرب هم في الأساس لعنة التخلف العربي الإسلامي عن ركب التطور الحضاري، وآخر من مسلمين!
ولعل أكثر ما يشدنا في شخصية حسن نصرالله كثائر يتميز بفلسفة جسدت شخصيته الجذابة وتجسدت فيها أخلاقاً ونبلاً وشهامة وعفة هو أن نصرالله يمثل بمثل ما لم يمثله أحد غيره من أصنام الجمود الحجرية: صورة التنوع والتبدل المدروس في رؤية فلسفية يشرح حوادثها فيلسوف نابغ متمكن من مراقبة ورصد مسيرة التاريخ وسيرورته في تأكيد وتثبيت المفهوم العلمي والإفراز الديالكتيكي في المعلومة المادية بشأن مفهوم التراكم والتشبع التراكمي الذي يؤدي إلى حال من التنوع والتبدل الذي هو التحول النوعي... وإن هذه الحال، التي تمثل صورة هائلة من الاشتباكات، كما قال هيغل، يسعى الفيلسوف تحتها وفيها إلى الكشف عن هدوء وصفاء القوانين والمبادئ والعقل، ولربما أن الله ولغاية لا ندركها، ولكنها تصبّ في تثبيت عدالته التي تجنى عليها اليهود بقولهم إنهم «شعب الله المختار»، إذ بهذا القول المستنكر جعلوا من الذات الإلهية، ذاتاً عنصرية يفضل بموجبها فئة ضالة من خلقه على بقية خلقه، وهكذا فعل اليمين المسيحي المرتد عن دين عيسى بن مريم، وما أتى به من تعاليم من شأنها أن تقوّم إعوجاج بني إسرائيل الذين أنكروا نعم الله عليهم، وذكرهم بها في قوله: «وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم» (إبراهيم: 6).
وقد لا نكون مخالفين للحقيقة والواقع، إذا ما اعتبرنا أن السيدحسن نصرالله، قد جسّد بفلسفته الفريدة المتميزة بالكشف عن روح الإنسان، في هدوئها وعطائها وتطورها عبر سيرة التاريخ، وتنقلاتها عبر الكثير من مفاصلها المتعددة، وتحولاتها المستمرة بلا توقف ولا كلل، بعيداً عن الإثارات العاطفية التي لا تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى إلهاب الأكف بالتصفيق والتهليل الفارغ لشخص الزعيم الصنم!
إنه ولا شك في أن السيدحسن نصرالله كزعيم برز بفعل إرادة إلهية في لحظة كلكل اليأس، بمثل ليل كموج البحر أرخى سدوله بألوان الهموم على نفوس الشعوب العربية والإسلامية نتيجة لارتكاب زعماء خيانات لجق شعوبهم، وتحالفهم مع الشيطان الأميركي الصهيوني والصهيوني اليهودي، لقد خانوا الشعوب وخانوا الله بتخليهم عن نصرة الشعب اللبناني، والشعب الفلسطيني الذي يدافع عن كرامة المعتقدات الإسلامية عموماً وعن موقع منطلق الإسراء المحمدي، ومولد عيسى، وملاذ إبراهيم بعد ضياعه في رحلة تقربه وخروجه من أرض آبائه وعشيرته، عندما اعترف إبرام لزوجته ساراي بأن الله قد أضلني وأخرجني من أرض أبي وعشيرتي.
على أن ما كان يسعى إليه الزعيم المؤيد بإذن الله - إن شاء الله - حسن نصرالله، هو محاكاة الأمة في روحها، إذ إنه أدرك بفطنته «أن روح الأمة بوصفها حقيقة جوهرية، كما قال هيغل، هي التي تنجب في المطاف الأخير كل المؤسسات وكل الأعمال وتعكس مجد ذلك العصر». لا مجرد جيش هو أقرب إلى فرقة كشفية للاستعراض، لم تكلف أية حكومة لبنانية عبر مختلف العصور نفسها أن تعمل أية واحدة منها على رغم اختفاء المليارات من أموال الشعب اللبناني في جيوب الظلام، على تطوير هذه الفرقة الكشفية وتحويلها إلى جيش محترف فعال يؤدي الواجب الوطني في لحظة اشتعال النيران، بدلاً من أن تقتنص مدافع الدبابات والطائرات الإسرائيلية أفراده فرداً فرداً وجماعة جماعة وهم يختالون في بزاتهم الكشفية.
ولعلنا هنا عند هذه النقطة أن نسأل السيد الحريري، وصاحبه جنبلاط: ماذا عساكما، والملاحظ أن أصواتكما، وأصوات أحزابكما التي تنتميان إليها قد اختفت في ركعة النيران، وماذا عسى أن تفعل الحكومة اللبنانية بفرقتها الكشفية في مواجهة «إسرائيل» وجبروتها وغطرستها المسنودة بأميركا، لولا مواجهة حزب الله، الذي كشف بقيادة حسن نصرالله الذي كشفت مواقفه البطولية عهر الغالبية العظمى من رؤساء وملوك الحكومات العربية، وخصوصاً في المغرب العربي، الذي اختفت فيه تلك الاستعراضات الأنتيكا، بألبستهم الأكثر أنتيكية؟
كان الأفضل والأجدى للسيدين (الحريري الابن، وجنبلاط) أن يشكرا حزب الله ونصرالله الذي رفع اسم لبنان وشعب لبنان كعلم في رأسه نار بدل أن يلجآ إلى محاولة دق اسفين بين حزب الله والحكومة اللبنانية، وهي محاولة لا تعيد الأضواء إلى شخصيتهما التي سلبتها عنهما مواقف بطولة حزب الله، وقائده الملهم حسن نصرالله.
وثمة أمور لا يمكن أن تعد وأن تحصى قد كشفت عنها رسالة حسن نصرالله للشعوب المناضلة المتآخية، والمتوحدة في الهمّ من عربية وإسلامية، وعلى رأسها وفي الدرجة الأولى ضرورة تشكيل المنظمات الشعبية الثورية المناضلة ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار... لأنها أثبتت مواقف الاستعمار الأميركي البريطاني الصهيوني، واستماتتهم في محاربة المنظمات الشعبية الثورية على الاستعمار ومخططاته، ما يجب معه على الشعوب العربية والإسلامية أن تصرّ على تشكيل منظماتهم الشعبية والثورية، على رغم إرادة الاستعمار وعملاء الاستعمار من حكام التساقط والانهزام، وفعالية وإنجازات المنظمات الشعبية التي بنضالاتها البطولية حققت الاستقلال الوطني لبلدانها عبر مسيرات التاريخ المختلفة، مثل الحرب الشعبية الفيتنامية، والحرب الشعبية اليمنية، والحرب الجزائرية والحرب الشعبية في جنوب إفريقيا، والحرب الشعبية في كينيا على يد «الماوماو».
هذه النماذج من حروب الاستقلال الوطني، التي أنجزتها الشعوب وحققت استقلال أوطانها ودحرت بها الاستعمار، أعطت للمستعمرين درساً دفعهم إلى أن يستعينوا برؤساء وحكام الانبطاح والتخاذل من أعداء شعوبهم لمحاربتها.
إن مضمون هذه الرسالة الأخيرة التي وجهها حسن نصرالله، وإذ أعتذر للقارئ العربي والمسلم عن نسياني الذي يفرض عليّ أن أتوّج تلك الاستعراضات من نماذج نضالات الشعوب في مختلف بقاع العالم، بالثورة الشعبية العظمى التي قادها الزعيم العظيم المهاتما غاندي في الهند، هذا المناضل العظيم الأسطورة الذي يجب على كل المناضلين في العالم أن يقتدوا بمثله، وقد مات مقتولاً، وقد قال قبل أن يلفظ آخر أنفاسه: «هذا جزاء من يخدم وطنه»!
ومن عجب أن الشعب الهندي العظيم الذي لا يفرّط في الذكريات لم نرقب له أن أحيى ذكر قائده العظيم ومحرر الهند ولو لمرة واحدة ليلهب شعور العالم عن طريق التحرر، ولأن تكون هذه ظاهرة تفريط بحق قائد عظيم، فإن التاريخ لا يفرّط في مثل هذه الحقوق...
ولقد كان لي أعظم شرف كلل حياتي عندما كنت مسافراً إلى مومبي وألقت مراسيّ سفرتي بي في بونه وحللت ضيفاً على بعض أبنائنا الطلاب الذين كانوا يدرسون في جامعة بونه، وقد أخذوني في إحدى جولاتي إلى مقر الزعيم العظيم غاندي، إذ شاهدت في وسط مقر إقامته مغزله الذي يغزل عليه خيوط لباسه الذي ينقله بعد الغزل إلى دولاب النسيج القريب من المغزل ليصنع لباسه البدائي الخشن الذي استعمله سلاحاً حارب به الاستعمار الإنجليزي، ودفع بالشعب الهندي ليقتدي به حتى ضيّق الحبل على رقبة الاستعمار البريطاني الذي لم يجد بداً من أن يضع عصاه على كاهله ويرحل.
أين أنتم يا شعوب الأمة العربية العظيمة، والإسلامية الكريمة، من هذه الدروس التاريخية، لتستلهموا معانيها وتقتدوا بمُثلها العليا، وأن تبصقوا على وجه المتعاملين بالمليارات مع أعدائكم نكاية بكم أيها الشعوب، وإنه قد آن لكم أن تودعوا رقدة العدم
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ