العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ

الملابس الذكية 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يلحق تعبير «الذكية» (smart) بالكثير من الأدوات التي بُتنا نتداولها ونستخدمها في حياتنا اليومية تمييزا لها عن شبيهاتها «العادية» أو «غير الذكية» إن جاز لنا القول. فهناك على سبيل المثال لا الحصر البطاقة (Smart Card)، وما يميزها عن البطاقة الشخصية غير الذكية قدرتها التفاعلية على البيئة المحيطة بها بما فيها الإنسان ذاته، والقيمة المضافة التي تولدها استخداماتها. فالجذاذة المتناهية الصغر التي تحتضنها البطاقة بوسعها، إلى جانب كمية المعلومات الضخمة والمفيدة التي تحملها عن صاحبها، أن تجري أيضا التحويلات المصرفية، وأن تخاطب الخدمات المدنية الأخرى التي يحتاج لها حاملها، بما في ذلك تأمين الخدمات الصحية له عند اللزوم وفي الحالات الطارئة.

ومع البطاقة الذكية، جاءت المباني الذكية (Smart Building)، وهي تلك المباني القادرة على تأمين درجات عالية من السلامة والأمان لسكانها من خلال استخدام تقنيات متقدمة تعتمد على التعرف على حاملها من خلال استخدام موجات راديوهية (Radio Frequency Identification). هذا إلى جانب قدرتها اقتفاء آثار سكانها أو زوارهم عند الحاجة لذلك وتلبية لحاجة أولئك السكان أو إدارة تلك المباني.

ولم يقف الأمر هنا بل بُتنا نسمع اليوم عما أصبح يعرف بالملابس الذكية، التي تتمحور فكرتها حول إلحاق لوحة مفاتيح (Key Board) في كم سترة الملابس التي نرتديها أو جهاز كمبيوتر في جيبها، ويتطور الأمر ليصل إلى شاشة منتهية الصغر في النظارة يضعها المرء على عينيه.

هذه التطبيقات التقنية لم تعد ضربا من الخيال العلمي، الذي يقرأ عنه المرء في الكتب أو يشاهده على شاشة السينما، وإنما صار حقيقة واقعة.

فقد تمكن الكساندر بوسيجين، من جامعة نيدرهاين للعلوم التطبيقية، من تحويل مزحة كان يرددها طلابه في الفصل إلى مشروع ثوري قابل للتطبيق. وتقوم الفكرة على تغذية الكمبيوتر المدمج في نسيج السترة بالبيانات اللازمة له من خلال نقرة اصبع على الكم. كما تساعد الاقطاب الكهربائية المدمجة في نسيج الملابس، من يرتديها، على التواصل مع الحاسب الآلي المدمج بدوره في ردائه. ونجح بوسيجين في تصنيع مثل هذه الملابس الذكية بمعاونة أعضاء فريقه من الباحثين في مدينة مونشن جلادباخ، الواقعة شمال غرب مدينة كولونيا، التي استضافت بعض مباريات بطولة كأس العالم الأخيرة.

وعلى أي حال، وَلَّت تلك الايام التي كان يتم فيها تصنيع مثل هذه المنسوجات بالشكل التقليدي. ففي الوقت الجاري بات بوسع الآلات تصنيع أغطية من خامة ألياف الكربون لمقعد دراجة نارية، فيما لا يتجاوز أربع دقائق ونصف الدقيقة.

ويقول أحد العلماء: «إن تقنية البعد الثالث تمكننا من تفصيل القماش بالطريقة الصحيحة»، ويشرح هذا العالم وجهة نظره هذه بتطبيقها على قطعة مربعة من قماش خشن صلب يبرز نتوء في منتصفه. وباستخدام مادة الراتينج، تتحول هذه القطعة من القماش إلى خوذة أشبه بتلك التي يتم ارتداؤها في مواقع التشييد والبناء. أما الميزة التي تفرق بين هذه الخوذة المبتكرة وتلك التقليدية، فهي أن الخوذة الجديدة أخف كثيرا في الوزن، وهو ما يوضح هذا العالم أهميته بالقول، إن تلك الميزة تبدو أكثر وضوحا عندما يرتديها المرء ثماني ساعات يوميا (حينها) تشكل قلة في الوزن ولو بـ 20 غراما فارقا كبيرا.

وفي الوقت نفسه توفر «الجوارب الذكية»، وهو الاسم الذي يطلقه بوسيجين على زوجين من الجوارب الخفيفة رمادية اللون، ميزة متفردة، تكمن في أن تلك الجوارب التي تعمل إلكترونيا، من خلال بطارية تحافظ على درجة حرارة الجسم وتحمي مرضى السكري من الانخفاض الحاد في درجة الحرارة. ولهذا السبب يمكن أن تساعد هذه الملابس الذكية، مرضى السكري ممن يعانون من خلل في الاحساس بدرجة حرارة أجسادهم.

وتتيح الملابس «الذكية» امكانات تكاد تكون غير محدودة. فعلى سبيل المثال يمكن أن تنقل أجهزة الاستشعار الالكترونية المدمجة في نسيج الملابس الداخلية، أي توترات تحدث في الجلد إلى كمبيوتر الجيب، ما يتيح إجراء عمليات رسم القلب بطريقة مريحة على المدى البعيد.

ويقول بوسيجين في هذا الشأن: «لا نزال نعمل على تطوير قميص محكم ليلائم جسد الانسان على مدى فترات طويلة». وعلى عكس الطرق الحالية التي تستخدم فيها أجهزة الاستشعار والوسادات الصغيرة التي تثبت على الجسد لرسم قلب المريض، يمكن من خلال هذه الطريقة الحديثة رصد نبضات قلب الانسان لحظة بلحظة على مدار أسابيع وشهور.

ويقول بوسيجين (46 عاما): «يتوق أي شخص عانى من قبل من أزمة قلبية، إلى أن يكون بوسعه الحصول على أي تحذير من التعرض لازمة مماثلة ولو قبل ثانية واحدة من حدوثها».

القمصان الذكية

وتحظى القمصان الذكية بالمزيد من الاهتمام في مصانع الملابس الجاهزة. وتبدر البعض بالقول: «لم تعد بعيدة الأيام التي سنجد أنفسنا نقوم بملء خزائن ملابسنا بالقمصان الذكية التي يمكنها قراءة سرعة دقات قلوبنا وتنفسنا والسترات الموسيقية المزودة بلوحة مفاتيح من القماش. كما يمكن أيضا دمج شاشات رقيقة (LED) في هذه الملابس لعرض النص والصورة».

ويتوقع الكثير ممن يتابعون تطورات صناعة الملابس، بما فيها تلك التي تتابع الأزياء (الموضة) أن تكون الملابس المجهزة بالكمبيوتر ستكون الخطوة التالية لجعل أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المتنقلة من دون ربط الأجهزة الإلكترونية بأجسامنا أو ملء جيوبنا بعدد كبير من الأجهزة. ولم يتم تصميم هذه الملابس الرقمية بالضرورة لاستبدال جهاز الكمبيوتر الشخصي ولكنها ستتمكن من أداء بعض الوظائف. وتبدأ الملابس المجهزة بالكمبيوتر من خلال استخدام الخيوط المناسبة، وذلك لأن القطن والبوليستر أو الرايون ليس به الخواص المطلوبة لنقل التيار الكهربائي المطلوب لهذه الملابس، ولذلك فإن الخيوط المعدنية ليست بشيء جديد في صناعة الملابس. فلقد رأينا ملابس معدنية يتم ارتداؤها في عروض الأزياء منذ سنوات.

ويقوم الباحثون بمعمل الوسائط المتعددة في معهد ماسوشوسيتس للتكنولوجيا Multi Media Lab. MIT باستخدام الاورجانزا الحرير وهو قماش فريد تم استخدامه لتصنيع الملابس في الهند منذ ما لا يقل عن قرن فراغات عازلة . ويعتبر الاورجانزا الحرير مثالا للملابس المجهزة بالكمبيوتر لأنه مصنوع من خيطين موصلين للكهرباء، الأول هو خيط الحرير العادي وأسلاك النحاس التي تمنح هذا القماش القدرة على توصيل الكهرباء. فالنحاس موصل جيد للكهرباء إذ بدأ بعض مصنعي الميكروبروسيسور في استخدام النحاس لزيادة سرعة هذه الأجهزة. ووفقا للباحثين لدى MIT يتم إعداد القماش المعدني مثل أسلاك الهاتف التي تحتوي على قماش. فإذا قطعت سلك الهاتف ستجد موصلا يتكون من عدة رقائق من النحاس ملفوفة حول خيوط من النايلون او البوليستر.

ولا يعتبر الاورجانزا الحرير جيدا فقط كموصل للكهرباء ولكنه يحتوي على مسافات كافية بين الخيوط بحيث يمكن التعامل مع هذه المسافات بشكل مستقل. هناك بعض المشكلات التي يمكن ان تحدث بسبب استخدام الاورجانزا الحرير عند لمس الدوائر لبعضها بعضاً، ولذلك يقوم علماء MIT باستخدام مواد عازلة لتغطية او دعم القماش.

وعند قطع القماش إلى الشكل المطلوب، يتعين ربط المكونات الإلكترونية الأخرى بالقماش. وتتم خياطة هذه المكونات مباشرة بالقماش. كما يتم وضع مكونات أخرى مثل LED والكريستالات السطح. كما يمكن تركيب أجهزة إلكترونية أخرى في القماش من خلال استخدام بعض أنواع المشابك التي تعمل على ثقب القماش لإنشاء وصلة كهربائية. وبعد ذلك يمكن إزالة هذه الأجهزة بسهولة لكي يتم تنظيف القماش.

ومن ناحية أخرى، استطاع باحثون بشركة GEORGIA TECH تطوير نوع آخر من الخيوط لتصنيع الملابس الذكية. فالقميص الذكي يتم تصنيعه من ألياف بصرية من البلاستيك وألياف أخرى متخصصة تخاط مع القماش. وستسمح هذه الألياف البصرية الموصلة للكهرباء للقميص بالاتصال لاسلكياً بالأجهزة الأخرى لنقل البيانات من المجسات المزروعة في القميص. قد أدى تطوير القماش الرقمي إلى فتح الفرصة أمام صناعة الملابس المجهزة بالكمبيوتر، فخلال العقد القادم من المحتمل ان نشاهد سلسلة كبيرة من الملابس الرقمية تدخل سوق المستهلك. وتقوم عدة شركات باستكشاف احتمال ارتداء الملابس المجهزة بالكمبيوتر مثل شركات IBM, LEVI, PHILIPS, NIKE و SENSATEXوفي أوروبا تقوم شركة LEVI باختبار تسويق السترة الموسيقية التي قام بها معمل الوسائط المتعدد في معهد ماسوشوسيتس للتكنولوجيا بتطويرها.

هذا ينقل صناعة الأزياء من أيدي بيوتات الموضة إلى مختبرات شركات التقنية ومعامل الجامعات، وهو الأمر الذي ينقل صناعة الملابس ذاتها من إحدى محركات الاقتصاد التقليدي، إلى إحدى ركائز الاقتصاد المعرفي.

تلك كانت إحدى أوجه استخدامات التكنولوجيا في صناعة الملابس الذكية في مختلف الجوانب المدنية، لكن هناك الاستخدامات العسكرية، وهناك الملابس الذكية المزودة بالفيتامينات إلى جانب قنوات أخرى هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذه المقالة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً