العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ

بين الاتحاد الأوروبي والوحدة العربية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كتب أوتنو هامالينين، وهو صاحب عمود في الطبعة الدولية الإلكترونية للصحيفة الفنلندية (Helsingin Sanomat) عموداً مطولاً يتخيل فيه نفسه مدرساً يدخل أحد فصول المدارس الثانوية الفنلندية لتدريس مادة «الاتحاد الأوروبي»، وهي مادة تدرس ضمن المرحلة الثانوية في المدارس الأوروبية، وبدأت كبريات دور النشر الأوروبية تصدر كتباً خاصة بتلك المادة، وتلقى رواجاً متزايداً في أوساط الطلبة الذين يدرسونها.

يقول أوتنو، متصوراً نفسه متجهاً نحو أحد الفصول ليلقي على طلبته المحاضرة الأولى في تلك المادة «سأستهل الدرس بتهنئة الطلبة باختيارهم المادة تلك، ثم أبين لهم ما الذي طرأ على الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الثلاث الماضية».

قبل 3 سنوات وعندما اندلع الصراع في العراق، يرى أوتنو أن الاتحاد الأوروبي قد انقسم إلى 3 كتل رئيسية، بين مؤيد للهجوم، ومعارض له، وفريق ثالث بقي في مواقع اللامبالاة. وخلافاً لذلك نجد الاتحاد الأوروبي وفقاً لرواية أوتنو كتلة واحدة إزاء ما يجري في العراق، وصوتاً واحداً، ينصت الجميع إليه حتى وإن عارضوا ما يقول بشأن مشروعات الحلول المطروحة من اجل وقف نزف الدم فيها.

ثم ينطلق أوتنو موجهاً الحديث إلى طلبته بشأن الوضع المستجد في لبنان قائلاً: «ولايمكن أن نستحضر مثالاً أفضل من الحال الأوروبية الموحدة في الموقف مما جرى في لبنان حديثاً. والأمر ذاته ينطبق على مشروعات إعادة الإعمار المطروحة حالياً، التي ولدت وعياً قوياً عن أهمية وجدوى الدور الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي على رغم أن بعض الدول الأوروبية قد انضمت حديثاً إلى الاتحاد».

ويستطرد أوتنو في حديثه عن تنامي الدور الأوروبي جراء المواقف الموحدة التي أصبح يتخذها ككتلة متماسكة، الأمر الذي مكنته من إقناع إن لم يكن إرغام المجتمع الدولي على الإصغاء إليه والتنسيق معه في الكثير من السياسات الدولية.

لنعكس الآية ونتصور أن أحد الطلبة الذين كانوا يصغون إلى محاضرة أوتنو التخيلية، سمح لنفسه هو الآخر بإطلاق العنان ووضع البلاد العربية مكان الاتحاد الأوروبي فسيجد الآتي:

موقفاً ممزقاً إزاء ما يجري في العراق، ولربما لم يقتصر الأمر على الموقف السياسي المتناقض، بل تجاوزه إلى الانغماس مباشرة في الصراع ووجد العربي نفسه يقاتل أخاه العربي على ساحة عربية.

أما في لبنان فالمواقف العربية من الحال الأخيرة ليست أقل تمزقاً وحدة، ومن ثم سوءاً مما شهدناه ولمسناه خلال العشرين سنة من الحرب الأهلية اللبنانية. ويمكننا القول: إن المواقف العربية الأخيرة المتناحرة كانت من الأسباب التي سهلت على «إسرائيل» والأطراف الأخرى، محلية أم عالمية، التي كانت لها مصلحة من وراء اندلاع الحرب في لبنان، تحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الذاتية.

وكما نجح أوتنو في سرد قائمة طويلة من الأمثلة دلت على أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو التمحور التكاملي كي يبرز ككتلة متماسكة ليست بالضرورة متوحدة يحسب حسابها في ساحة الصراعات الدولية إقليمية كانت أم عالمية، اقتصادية كانت أم سياسية، كذلك الأمر بالنسبة إلى طالبنا الذي ارتدى طاقية البلدان العربية، بوسعه أن يرصد قائمة لها بداية ولا يعرف أحد نهايتها عن تشرذم الكتلة العربية وتشظيها إلى كتل صغيرة يصعب على المجتمع الدولي أن يهدر وقته في الاستماع إلى قضاياها فما بالك من مواقفها من القضايا الأخرى.

وعلى رغم كل ذلك لا يكف البعض عن التشدق بالوحدة العربية وإنجازاتها التي لم نرها إلا في كتب التاريخ ولم نسمع عنها إلا في أوعية الإعلام الرسمي العربي.

بارك الله في قادة الأمم الأوروبية وسدد خطى شعوبها... وغفر الله للحكام العرب وسامح شعوبها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً