العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ

ثقافة استلاب الموارد

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

يمكن الحديث عن تجذر ثقافة لاستلاب اقتصادات دول العالم المتخلّف، ولن نقول العالم الثالث. ثقافة تسعى لاستدراج الدول إلى إهدار مواردها وتعريضها لحال من النهب وبخيارات القائمين على القرار فيها، نظير ترتيبات لا تخفى على متضرر من شعوب ذلك الجزء من العالم.

تكريس مثل تلك الثقافة التي تحولت إلى هيمنة كلية على الإرادات، ومراكز القرار، يؤسس وبشكل يبدو أكثر تجميلاً، للسيطرة على الموارد بعيداً عن البدايات التي عرفها الجنس البشري في فجر تاريخه، ووجوده وملامح تأسيسه لمجتمعات إنسانية، تحاول التدرج من حال الهمجية إلى حال المدنية.

بحروب بدأت بالماء والكلأ، وانتهت بالنفط والأسواق، برزت أخلاقيات جديدة لم يعرفها العالم قبل 200 عام، بحسب ما أشارت إليه الإحصاءات الأخيرة لحجم الرشى التي تقدّم على مستوى العالم في سبيل تمرير مشروعات وتسهيلات، وتثبيت أوضاع خارج نطاق القانون، إذ وصلت إلى 400 مليار دولار خلال العام 2005 وحده، وجزء كبير من الرقم المذكور تحتله رشى تمرير صفقات السلاح، وبالدرجة الثانية، التلاعب في نتائج المناقصات الكبرى، وبالدرجة الثالثة، اللعب بنتائج الانتخابات.

بدأت الحروب في محاولة للسيطرة على الموارد، ووصلت، وستنتهي إلى الهدف نفسه. الموارد باعتبارها مفاتيح، ومداخل للبقاء وإن أدّى ذلك إلى نسف جغرافيات مليئة بالحياة.

هل هي ندرة الموارد التي تدفع البشر إلى هكذا موقف وتوجّه؟ أم أنها الحاجة إلى تلبية جشع يسعى إلى تراكم مزيد من تلك الموارد وإن فاضت عن الحاجة؟

الموارد بالأمس كانت الكلأ والماء والأرض، وتطورت اليوم، مع واحد من المواد التي ظلت وبالاً على بعض الشعوب: النفط، والمواقع الاستراتيجية، والأسواق.

من منظور ورؤية اقتصادية بحتة، تظل الأسواق شكلاً آخر من حروب الموارد.

سيتراجع النفط مع وجود أمل باكتشاف بدائل له، لكن الأسواق تظل بالكثافة البشرية، غير قابلة لإيجاد بدائل لها. والاقتصادات المقبلة خلال 30 إلى 50 عاماً، ستظل تراهن في بقائها على القدرة على اقتحام مزيد من الأسواق والسيطرة عليها.

الدول الكبرى ستظل مكنتها تنتج الفائض عن الحاجة ضمن جغرافيتها، وبشكل مهول ومفزع، يهدد بقاءها واستمرارها ما لم تقتحم أسواقاً جديدة تمثل لها الرئة الطبيعية، وإن تأتّى ذلك باحتلالات تحت أي عنوان أو تبرير.

والاحتلالات ليس بالضرورة أن تكون معززة بالآلة العسكرية، إذ ثمة احتلالات اليوم على مستوى المناهج الاقتصادية والتفكير واتفاقات التجارة الحرة. الحرة للدول التي تصدر عنها، لكنها على العكس من ذلك بالنسبة إلى الدول المستقبلية لها، والمتهافتة عليها، في تغرير بدأ ينطلي على الكثير من تلك الدول.

اقتصاد السوق الحرة، ومنظمة الغات، واتفاق التجارة الحرة، واشتراطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحرير الاقتصادات وغيرها من المؤسسات العالمية، تمهد لحال من الإمعان في السيطرة على الموارد وتصفير موازنات الدول، والعمل على ترهل وتفسخ اقتصاداتها، وإيجاد خلل منظور في مداخيلها وإنفاقها، علاوة على الفوائد المتراكمة لمديونيات ستظل ملتزمة بالوفاء بها حتى لو تجاوزت الدورات التاريخية عن عمر الدول والحكومات.

مصارف ومؤسسات واتفاقات أحالت بعض اقتصادات الدول إلى مهازل، تماماً كما أشار مدير المركز الاقتصادي في ساحل العاج جوزيف ياو: «أساس الاقتصاد هو أن تنتج قبل أن توزع، ولكن في إفريقيا، نحن نبدأ بتوزيع ما نعتقد بأننا سننتجه في المستقبل».

وذلك وجه آخر من وجود استلاب الموارد التي تحيل دولة إلى الاعتماد على حال من الوهم في تصريف شئونها وتحريك اقتصادها على حال من المصادفة والفوضى والافتراض.

تكشف تلك الثقافة عن ترهل تام في إرادة القرار لدى تلك الدول، الـُمراد لها أن تستقبل تلك الثقافة بأريحية تامة، يُضاف إلى ذلك، كشفها عن تأصيل حالٍ من الفساد الذي بات ضرورة لتسيير شئون الدولة، وضمان الهيمنة على الرعية، كما تكشف عن استلاب محض يطول واحداً من الأسس التي قامت، وتقوم عليها قيم وأخلاق هذا الجزء من العالم، إذ لا يطول الضرر الموارد التي يتم إهدارها، بل يطول عمق الثقافة والقيم والاعتقاد الذي تتم التضحية به قبالة منافع تظل خاضعة للمزاج ودرجة المسايرة، وإلا ما الذي يفسّر حجم التجارة التي تقيمها الولايات المتحدة الأميركية، مع الدول التي تتهمها وزارة الخارجية باستخدام التعذيب، والذي وصل إلى أكثر من 400 مليار دولار في منتصف تسعينات القرن الماضي وحده؟


أرقام في حروب الموارد

الاحتياطات النفطية مجتمعة لكل من أميركا، كندا، المكسيك، أوروبا الغربية، أستراليا، نيوزيلندا، الصين، والدول الآسيوية، باستثناء الشرق الأوسط، تقدر بـ 116 مليار برميل، فيما العراق يمتلك من تلك الاحتياطات 115 مليار برميل.

بحلول العام 2025، ستمثل واردات أميركا من النفط نحو 70 في المئة من الاستهلاك المحلي، وبحسب ديك تشيني «النفط الذي نستورده سيرتفع من 10,4 ملايين برميل يومياً حالياً (العام 2004) إلى 16,7 مليون برميل يومياً في العام 2020».

في إحصاءات جيرمي ريفكن (Hydrogen Economy) بشأن حصص الاحتياطات مقارنة بإنتاج النفط، وعدد السنوات التي ستدوم فيها الاحتياطات يرد الآتي:

أميركا وكندا تبقّى لها 10 أعوام، إيران 53 عاماً، المملكة العربية السعودية 55 عاماً، الإمارات 75، الكويت 116، فيما العراق يمكنه الاحتفاظ باحتياطه النفطي وبمعدل الإنتاج الحالي المقرر له من «أوبك» لـ 526 عاماً

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً