ليست القوة العسكرية الإيرانية مماثلة لما كانت عليها منظومة العراق العسكرية إبان حرب تحرير العراق الأخيرة، وليس المكان نفسه، وليس التوقيت نفسه، وليس الإنسان نفسه، وحدها الولايات المتحدة من هي «هي نفسها» في أجواء هذا الصراع الإقليمي «الأخطر» في تاريخ صراعات المنطقة منذ 1980 حتى اليوم.
ثمة رؤية ترى أن الحرب مجردة ليست سوى امتداداً للدبلوماسية، إذ تنتهي دبلوماسية الكلام لتبدأ دبلوماسية الحرب على الأرض، والأميركيون أصبحوا مؤمنين بهذه الرؤية إيمانهم بأن لعبة العقوبات الاقتصادية أصبحت مجرد مضيعة وقت لا أكثر، والإيرانيون إن خرجوا من هذه الأزمة بـ «عقوبات اقتصادية» فقط فهم سيتمكنون من الحصول على أول قنبلة نووية خلال سنة أو سنتين، إن لم يكن السلاح النووي أصلاً بات أمراً مفروغاً منه، من يدري!
«الفرصة» لا تموت، فدائماً هناك فرصة مواتية للخروج من أية أزمة تطرأ في أي زمان أو مكان، الذي قد لا يتأتى هو استثمار الوقت، فإهمال عامل الوقت وحساسيته في عالم بات مقتولاً بالسرعة له ثمنه الذي يدفعه المصابون بنقص الانتباه دائماً.
الإيرانيون ليسوا جادين في القبول بأن تعود عجلة الزمان لديهم عشرين سنة للوراء، والأميركيون طبعاً لا يريدون لثلث الإنتاج العالمي من النفط أن يتوقف فجأة. وما بين العشرين سنة من التنمية في إيران وثلث النفط العالمي على الولايات المتحدة نحتاج مسحة من التعقل، والذي أصبح عملة نادرة في المنطقة ككل.
نحن في المنظومة الخليجية سنكون - بلا شك - ضحايا هذه الحرب إن بدأت، والغريب أن دبلوماسية خليجية لحلحلة هذه الأزمة قبل احتراقها لم تفعل أو تسنهض البتة، وكأن شاطئ الخليج العربي المملوء بالقواعد العسكرية الأميركية سيكون في مأمن.
النقطة الأهم بالنسبة إلينا كخليجيين، هي أن معنى هذه الحرب هو - لمن لا يدرك توازناتها العسكرية - أن نعود جميعاً كشعوب خليجية لزاوية الظلمة على أكثر من صعيد. ستفرض قوانين طوارئ أمن الدولة، وسيتزايد الإنفاق على التسلح، والعودة بالاقتصاد الخليجي لبداياته الأولى محتم، وستنتهي فترة الانتعاش الاستثماري في المنطقة، وأشياء أخرى يمنعها الرقيب وتتذكرها ذاكرة الخليجيين قبل حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول جيداً.
الحرب القادمة ستحمل لشعوب المنطقة كوارث متعددة، منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا بموازاة الدمار الهائل الذي لن يكون لنفط الخليج أن يتجاوزه، لتضيع من شعوب المنطقة ثاني الفرص التاريخية في تحقيق نمو حقيقي، ولن تكون الولايات المتحدة منتصرة في أي حال من الأحوال فتداعيات هذه الحرب لن تكون محدودة. وعلى الجميع منا تدور الدوائر
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ