العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ

نقاط ثلاث ساخنة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عاد الرئيس الأميركي جورج بوش أمس الأول إلى «البيت الأبيض» بعد قضاء عطلته الصيفية في مزرعته في تكساس. وفي مناسبة عودته عقد مؤتمره الصحافي اليومي تقريباً لشرح وجهة نظره بشأن القضايا الساخنة في العالم وتحديداً تلك النقاط الملتهبة في «الشرق الأوسط». المؤتمر لم يكن موفقاً إذ ظهر فيه رئيس أقوى دولة في العالم في حال من الاضطراب والقلق وخصوصاً حين تطرق إلى النقاط الثلاث: لبنان، العراق وإيران.

بالنسبة إلى الموقف من لبنان، طرح الرئيس الأميركي مشروع إعمار للبلد المنكوب ووعد بالدعم اللوجستي وتدريب الجيش وتجهيزه وقرر رفع المعونات المالية للإسهام في ورش البناء. بعد هذه «الجزرة» انتقل بوش إلى كيل اتهاماته لحزب الله متوعداً بعدم السكوت عنه وطرح خطة مشروع للعودة إلى مجلس الأمن وإصدار قرار دولي جديد يوضح تلك النقاط الملتبسة التي وردت في القرار 1701. ومن كلام الرئيس المتوتر يمكن فهم بعض النقاط، منها: إنشاء منطقة عازلة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، تشكيل قوات دولية تابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، إبعاد قوات حزب الله والبدء في سحب سلاحه.

النقاط هذه تظهر مدى حرص واشنطن على ضمان أمن «إسرائيل». فالخطة لا تأخذ مصالح لبنان في الاعتبار وإنما تهدف إلى تكييف البلد الصغير والضغط عليه ليصبح مصدر اطمئنان لأمن تل أبيب واستقرارها ورفاهيتها. وبعدها ليس مهماً عند الرئيس الأميركي ماذا سيكون عليه الوضع اللبناني الداخلي ومصير علاقاته الأهلية. فبوش وضع في أولوياته تأمين حاجات «إسرائيل» الأمنية انطلاقاً من تأسيس جدار عازل تقوم بحراسته قوات دولية مدعومة من الجيش اللبناني. بعد ذلك يقترح الرئيس الأميركي خطة أخرى تدفع العلاقات المحلية إلى مزيد من التأزم بسبب إصراره على سحب سلاح حزب الله من خلال تشجيع مجلس الأمن على إصدار قرار جديد بهذا الشأن.

العراق

بعد لبنان، انتقل بوش إلى شرح المعضلات في العراق. وكرر في هذا السياق الخطاب نفسه من دون توضيح ولا تعديل. فالرئيس الأميركي كما يبدو ضمرت مخيلته وفقد القدرة على الابتكار أو البحث عن آليات جديدة لمعالجة الوضع المتفجر في بلاد الرافدين. فالخطاب مستنسخ عن خطاب سابق إذ أعاد تكرار الأنغام نفسها، مشيراً إلى أن المهمة لم تنتهِ والجيش الأميركي لن ينسحب قبل الانتهاء من إنجاز المهمة. وحين طرح عليه السؤال عن المدة المطلوبة للانتهاء من المهمة رفض تحديد الوقت، بذريعة أن مجرد ذكر «فترة زمنية» يخدم الأعداء ويعطي إشارة سلبية لعمل القوات. وحين سئل عن طبيعة المهمة التي تتطلب مثل هذا الوقت كرر الأفكار نفسها التي تتحدث عن «الحرية» و«الديمقراطية» و«العدالة».

الموقف الأميركي من مسألة العراق لم يتغيّر كما ظهر في خطاب بوش. فالجيش الأميركي لن ينسحب قبل الانتهاء من المهمة. والمهمة غير واضحة المعالم، لذلك فإن مدة البقاء في بلاد الرافدين مجهولة. كذلك، يرى بوش أن الانسحاب يخدم الأعداء وربما يساعد على انفجار الحرب الأهلية.

إنها حلقة دموية: بقاء القوات لم يوقف العنف وإنما أسهم في زيادة التوتر الطائفي وشجّع على فرز المناطق إلى دوائر مذهبية، وانسحاب القوات سيزيد العنف ويسهم في انفجار الحروب الطائفية. وبسبب هذه الحلقة الدموية التي تبدأ بالعنف وتنتهي بالعنف يرى بوش أن الحل الأمثل بقاء القوات إلى فترة غير محددة من أجل الانتهاء من تحقيق مهمات غير واضحة.

هذه الفلسفة العبثية يبدو أن بوش بدأ يفكر بنقلها إلى طهران بمناسبة البدء في بحث الملف النووي الذي يرجح أن يتخذ مجلس الأمن القرار النهائي بشأنه في 31 أغسطس/ آب الجاري.

إيران

بوش كرر القراءة نفسها وأعاد فتح التسجيل مرة أخرى للإشارة إلى ضرورة تجاوب إيران مع دول مجلس الأمن، وأن تتراجع طهران عن مشروع التخصيب النووي. لم يقدم بوش الشيء الجديد وإنما اكتفى بإعادة طرح اقتراحه السابق بنقل الملف إلى مجلس الأمن واللجوء إلى خطوة دبلوماسية تقضي بإصدار قرار عن دول المجلس تحدد فيه شروطها وأفكارها.

فكرة الحل الدبلوماسي لا تعني أن بوش أسقط خياراته الأخرى. فمثل هذا الكلام ملغوم عادة وهو يريد المناورة والظهور أمام العالم ودافع الضرائب الأميركي بأنه يميل إلى التفاوض والمسالمة وإعطاء فرصة للخيار الدبلوماسي. إلا أن واقع الأمر لا ينسجم كثيراً مع هذا التوجه السياسي.

فالكلام عن حل دبلوماسي يعني لجوء واشنطن إلى مجلس الأمن لانتزاع غطاء شرعي يبرر سلوكها لاحقاً. ونجاح واشنطن في هذه المسألة يساعدها على «تدويل» الملف الإيراني وجعله ورقة للتسويات أو المنازعات.

أميركا تخطط الآن لتدويل الموضوع الإيراني ووضع المشكلة تحت سقف قرار يصدر عن مجلس الأمن، كما هي حال لبنان بعد صدور تلك السلسلة من القرارات الدولية منذ العام 2004 وصولاً إلى القرار 1701 في العام 2006.

وفي حال نجحت واشنطن في إصدار قرار في الشأن الإيراني يصبح هذا الرئيس المضطرب والمتوتر يملك أدوات قانونية للضغط على طهران وابتزازها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً... وربما عسكرياً.

المؤتمر الصحافي الذي عقده بوش في «البيت الأبيض» بعد استراحته الصيفية في مزرعة تكساس يدلّ على وجود قلق يسيطر على الإدارة الأميركية، ولكنه في النهاية يظهر أمام العالم والرأي العام في «قناع» مخادع. فالرئيس بوش يتحدث عن مساعدة لبنان في إعادة إعماره، في وقت حطّمت «إسرائيل» دولته وعاصمته وبناه التحتية. وهو يتحدث عن رغبته في مساعدة حكومة نوري المالكي، في وقت حطّمت آلته الحربية العراق ودمّرت بناه وخرّبت اقتصاده وقوّضت دولته، وباتت أطياف بلاد الرافدين على شفير حرب أهلية مخيفة. وأيضاً يتحدث عن رغبته في حلّ دبلوماسي للملف النووي الإيراني، في وقت يبحث عن غطاء قانوني من مجلس الأمن يدوِّل المشكلة ويعطيه صلاحيات التدخل في شئون طهران، ويسهّل له عمليات الضغط عليها وابتزازها سياسياً وإقليمياً باسم الشرعية الدولية.

النقاط الثلاث التي تعرّض لها بوش في مؤتمره الصحافي الأخير تشير كلها إلى وجود ارتباط بينها في المشروع الأميركي العام. وهذا الارتباط يميل عموماً إلى نوع من التشدد في خطابه وعدم استعداد واشنطن للتراجع عن أخطاء أسهمت في نشر الفوضى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً