هي ليست «المنظمة» ولا «الحزب» ولا حتى «الطائفة»، صدقوني ولا حتى سورية أو إيران الحليفة لهم. السبب الأساسي وراء صمودهم ومن ثم انتصارهم «المعجزة»، هو شيء يشبه الوحي، كان يسدد صواريخهم في مارون الراس ومرجعيون وسهل الخيام وعيتا الشعب وياطر ووادي الحجير، ليس في الأمر مبالغة أو تحشيد لادبيات الملاحم وسير التاريخ، بل هو سير في ثقافة المقاومة والاستشهاد، انها قصة «فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى وايمانا»، عندما تغرر جماعة من «المؤمنين» إعارة جمجمتها لله وتصمم أن «تزول الجبال ولاتزل»، ولا تهوى ولا تعشق سوى رضا الله، وقع الموت عليها أم وقعت هي على الموت وأن آخر همها واهتمامها كيف سيوظف هذا الموقف في معادلة السلطة والقوة وحب الجاه والظهور على الناس بـ «زهو» الانتصار واستعراض القوات، انها معركة قيم تشربت بها الناس في كل تضاريس الوطن والبلاد لا يمكن «القبض» عليها أو «اعتقالها» أو عزلها، كما يتم القبض على المجموعات وأفراد المنظمات والفصائل تماماً كما لا يستطيع أحد نزع سلاح مقاومتها كما تجرد «الميليشيات» من السلاح، أنت لا تعرفهم أصلاً ولا تعرف أماكنهم النهائية والثابتة كما لا تعرف، حتى وان تعرفت على بعضهم أو «بعض بأسهم» اذا ما كانوا مهتمين أصلاً بما يعرف بمطبخ صناعة القرار والسلطة وسائر مظاهر السياسة وإغراءاتها المعروفة، فكيف إذاً تريد «تجريد» اناس لا تعرف ما «يملكون»؟، أو «تفكيك» من هم عناصر ملح، ذائيون في الناس الممتدين جنوباً حتى بيت المقدس، وما بعد بيت المقدس. هل سمع أحدكم يوماً ان قوة مهما علت أو عظم جبروها استطاعت تفكيك الناس أو تجريدهم أسلحتهم؟، انه الوهم الأكبر الذي لا وهم بعده. وحدهم السذج أو المصابون بعمى الألوان أو جنون العظمة يمكن لهم ان يتصوروا ما ليس قابلاً للتصوير، لقد وضعت الحرب أوزارها نعم، ولكن ثمة «شعباً كاملاً» كان ولايزال يعتقد أن «السلاح زينة الرجال» كما علمهم وثقفهم إمامهم المغيب موسى الصدر، وثمة «شعب كامل» كان ولايزال وسيظل يعتقد أن المقاومة وحزب الله هو الذي فسر له سر قوته وبقائه. وبلور أبعاداً جديدة لهويته التي ظلت موضع شك وتساؤل على مدى عقود، ان لم تكن قروناً، وثمة «شعب كامل» كان ولايزال يعتقد أن مواجهة «الشر المطلق» ومواجهة «الغدة السرطانية» المحيطة والمحيقة به لا يمكن أن يصمد ويبقى فضلا عن ان يتعافى ويشفى من هذا المرض الا بالمناعة التي توفرها له المقاومة وحزب الله وانه لا حل لمقارعة هذا التحدي الا «بمجتمع الحرب والمقاومة» الذي كان يطالب به الإمام المغيب موسى الصدر. ومن ثم أخيراًوليس آخر، فإنه وبعد سلسلة التجارب المتراكمة والاختبارات المتتالية والامتحانات الصعبة التي مر بها هذا الشعب المقاوم والتي لم يرَ فيها حلم الدولة العادلة والمطمئنة والقوية والقادرة التي لطالما تشدق بها البعض ولا «بشائر» التسويات والحلول السلمية أو المبادرات الإقليمية أو الدولية قدمت له شيئاً يذكر، أو فتحت بابا من أبوباب الحياة الكريمة والعادلة له في الوقت الذي لمس فيه بكل جوارحه وبكل جوانب تكوين الوعي الروحي والمعنوي والمادي والسياسي والعسكري والأمني والجغرافي والتاريخي بان مراده ومناله وكل ما أحب وما يمكن أن يحب لا يتحقق ولن يتحقق الا بالمقاومة الشعبية التي اختار والحزب الذي انتخب والقائد الذي بايع وعاهد. فكيف اذاً نريد منه ونتوقع ان يسلم ما هو ملموس ومعلوم وقابل للعد وللحساب والمراهنة إلى ما هو المجهول بكل ابعاده؟، هذا في احسن الاحوال وأكثر الاحتمالات تفاؤلا، واما اذا اضيفت له تجربة الحرب الأخيرة والعدوان الغاشم الذي لم يبق أي أمل لدى أي فرد من افراد هذا الشعب العظيم ليس فقط بالدولة التي يفترض ان ينتمي اليها بحسب الأوراق الثبوتية التي يحملها بل انه صار يشكك أصلاً بمفهوم «الدولة» نفسها، اللهم الا ان تقوم على قاعدة ومفاهيم وقيم المقاومة والاحتماء بسياج «شعب المقاومة» الذي له وحده فقط فضل احتمال تشكيل شبكة الامان التي يرنو اليها والتي هي احوج ما يكون اليها بعد حجم الدمار والخراب الهائل الذي تعرض له. فكيف نريد منه ان يسلم سلاحه أو يفكك حزبه؟، إن أي مراقب ومتتبع عاقل ومنصف يقترب قليلا، فقط قليلا، مما حدث على الأرض اللبنانية خلال عدوان الـ 33 يوما يستطيع ان يستخلص حجم الوهم الكبير الذي يحاول ما يسمى المجتمع الدولي ومن والاه من المحيط الإقليمي أو المحلي اللبناني بشأن إمكان الولوج في مقولة تجريد المقاومة من سلاحها ناهيك بما يسمى. «بتفكيك» حزب الله، يجردون من يا ترى؟، ويفككون ماذا يا ترى؟، انهم لن يجدوا ما يمكن جمعه ولن يجدوا من يجرؤ معهم في الدخول في مثل هذه الصفقة كائنا ما كان بعد كل الذي حصل في لبنان، إن حال هذا الملف الذي يتحدثون عنه الآن يذكرني بكلام بليغ لقائد بحرية نظام بهلوي الجنرال أحمد مدني الذي «تفكك» في بحر الجماهير التي ذابت بدورها كالملح أو السكر في قيادة الامام روح الله الموسوي الخميني يومها، وذلك رداً على سؤال وجهته له اذاعة صوت أميركا: لماذا لا تقومون بانقلاب عسكري تستعيدون فيه السلطة؟، إذ اجاب: أليس علينا ان نعرف أولا على من أو ضد من نقوم بالانقلاب؟، نحن لا نعرف من هم الذين يمسكون بزمام السلطة في طهران أصلاً، والرجل كان صادقا فعلاً. انه الأمر نفسه اليوم يتكرر في لبنان لابد انكم استمعتهم إلى شقيق احد الشهداء وهو يتحدث على قناة المقاومة مباشرة بعد وقف العدوان ومن بين انقاض الضاحية الجنوبية لبيروت «عاصمة لبنان الحقيقية وخزان المقاومة والصمود» وهو يهدد بنبرة صريحة وواضحة وحازمة بأنهم (أي عوائل الشهداء) سيكونون أول من ينتفضون على حزب الله اذا ما فكر مجرد تفكير بتجريد المقاومة من سلاحها، انه «شعب لبنان العظيم» الذي لا يقهر، أيها الاغبياء انه شعب المقاومة الذي نهض واستوى عوده واثمر على انقاض «الجيش الذي لا يقهر»، والعودة إلى ما قبل 14 آب باتت من رابع المستحيلات ان كنتم تفقهون؟
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1443 - الجمعة 18 أغسطس 2006م الموافق 23 رجب 1427هـ