العدد 1442 - الخميس 17 أغسطس 2006م الموافق 22 رجب 1427هـ

الاستخفاف بالعقول ... إسلوب فرعوني

الشيخ مرتضى الباشا comments [at] alwasatnews.com

رجل دين سعودي

منذ أن نزل الإنسان إلى هذه الأرض وهو يعيش الصراع بين الحق والباطل، وللحق جنود، وللباطل جنود. وكل منهما يحاول أن يجذب البشر إليه لينضموا إلى معسكره وخندقه. وتتنوع وسائل الإقناع والأهداف هنا وهناك. ويحاول كل فريق أن يبرهن على أحقية رأيه ومسلكه. وهنا تأتي مهمة التمييز بين الغث والسمين، بين البرهان والمغالطة، بين تربية العقول والاستخفاف بها. ودأبت كل الحكومات الفاسدة على إبقاء الناس في مستوى مترد من الفكر والثقافة والوعي، فتجعلهم غرقى في حال من الغفلة عن الوقائع والحوادث والحقائق، وتنصب لهم قيماً وموازين كاذبة زائفة بدلاً من الموازين الحقة، كما تمارس عملية غسل دماغ تام متواصل لهذه الشعوب. وفي هذا السياق تندرج أدلة فرعون التي قدمها لقومه ليبرهن على أحقيته فاستدل على ألوهيته بالثروات التي تحت تصرفه وهي مصر وما فيها من أنهار وتوابعها، واستدل على بطلان دعوى موسى بفقره وعدم ملكه، وجعل مقياس النبوة والحق أسورة الذهب أو مجيء الملائكة معه مقترنين. هكذا نظم فرعون منظومته الفكرية ليوحي إلى القوم بأنها براهين، إلا أن القرآن الكريم وصم هذه البراهين والاستدلالات وأمثالها بأنها استخفاف بالعقول ، فقال الله تعالى («اسْتَخَفَّ قْومَهُ فُاطاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قوْماً فاسِقِينَ» (الزخرف : 54). وهكذا كل منهج أو استدلال يريد أن يظهر بمظهر البرهان وهو أجوف في واقعه، إنما هو استخفاف بالعقول، وهذا الأسلوب الفرعوني ­ أي استخفاف العقول ­ حاكم على كل المجتمعات الفاسدة في عصرنا الحاضر، بكل قوة واستحكام، وإذا كان تحت تصرف فرعون السابق وسائل محدودة توصله إلى نيل هدفه، فإن طواغيت اليوم يستخفون عقول الشعوب بواسطة وسائل الاتصال الجماعية، بل وحتى الرياضة أضحت من أساليب إلهاء المجتمع واللعب بالمقدرات وتضييع ونهب الثروات، كل ذلك لتغرق هذه الشعوب في بحر الغفلة، فيطيعوهم ويستسلموا لهم. وهكذا يتحول الإرهاب وقتل الأبرياء إلى جهاد، ويتحول رعاة الإرهاب ­ الذين رعوه ونشروه في العالم ­ إلى قائدي مسيرة التنمية والازدهار. وليس من الضروري أن يتصدى فرعون بنفسه فيستخف بعقول الناس، بل أعوان فرعون وعلماء البلاط قد يقومون بهذا الدور. وفي الآية الكريمة آنفة الذكر بيان للأرضية التي مهدت أنفس وعقول أولئك لطاعة فرعون. إذ كانوا فاسقين، وهذا الفسق مهد الأرضية لفسق أكبر منه وهو إطاعة فرعون وقبول كلامه، وهو نظير قوله سبحانه «... يُضِلَّ بهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلَّ بهِ إلاَّ الْفَاسِق ينَ» (البقرة: 26)، إذاً فسقهم السابق هو القاعدة التي ارتكز عليها إضلالهم اللاحق. وهكذا الفسق يجر وينبت الفسق والانحراف، كما أن الإيمان يجر الإيمان ويؤسس الاستقامة

إقرأ أيضا لـ "الشيخ مرتضى الباشا"

العدد 1442 - الخميس 17 أغسطس 2006م الموافق 22 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً