قد نتوقف عند الخسائر المادية التي لحقت بلبنان طوال 33 يوماً من الدمار الكارثي الذي لحق بالبنية التحتية من جسور وطرق ومبان سكنية أو خدمية ونقر بخطورتها. لكن يبقى الوجه المشرق للبنان هو المعدن النادر الذي ربحته وتميزت به على غيرها من البلدان هم ناسها وأبناؤها، فالمرء - من أمثالي الذين لم يعايشوا أهوال المعركة ويذوقوا طعمها ويحسوا بحرارتها نفسر الأمور بما تمليه علينا اتجاهاتنا وتحركه عواطفنا - يقف حائرا حينما يشاهد مناظر الدمار وإلى جانبها أهلها قد بدت عليهم الفرحة معلنين النصر ورافعين أعلام لبنان وحزب الله وصور أمينه العام السيدحسن نصرالله وهم يدعون له بالصحة وطول العمر، ويعلنون صبرهم وصمودهم متضامنين معه غير مكترثين بما لحق بهم من ضرر أو مسهم من أذى، والأعجب من ذلك ما نقلته قناة «الجزيرة» الفضائية من لقاءات حية معهم، إذ استوقفني حديث مع رجل وخلفه مبان سويت مع الأرض - فكانت أثراً بعد عين - بدأ حديثه بالتحية للمقاومة الإسلامية ولقائدها المظفر، فتقاطعه المذيعة سائلة عن تدمير منزله فيجيبها أن كل ذلك يهون وفداء لكرامة لبنان، فتعيد عليه سؤالاً آخر أن كان فقد أحد من أقاربه، حينها فقط يبدو على ملامح وجهه الحزن فيجيب نعم ويعدد أحبته لكن يستدرك مجددا أن ذلك فداء لنصرالله والمقاومة وهو يختنق بعبرته وينهي حديثه فيهتف الذين بالقرب منه بهتافات أعتدنا على سماعها قبل وبعد العدوان الإسرائيلي من تمجيد المقاومة وقائدها، فكيف قدم هذا الرجل المفجوع تحيته وسلامه ومؤازرته لنصر الله وللمقاومة على ما بناه طوال عمره وشقي من أجله كبيت يأويه أو جدار يحميه وقدم فلذات كبده وأحبته الذين طواهم الموت وأسدل عليهم ستاره، فحقيقة ومع مرارة الحدث وجليل المصاب يبقى هذا الكنز والمتمثل في شعب لبنان الذي كان من أبرز صمود المقاومة طوال تلك المدة فحكومة بلا شعب كبيت مهجور، فهنيئا لك يا بيروت
إقرأ أيضا لـ "احمد شبيب"العدد 1439 - الإثنين 14 أغسطس 2006م الموافق 19 رجب 1427هـ