يصادف 14 أغسطس/ آب يوم استقلال البحرين. وكان للمظاهرات والضربات التي وجهها الثوار المطالبون بالاستقلال أثر كبير في رضوخ المحتل للإرادة الشعبية. وكان لهيئة الاتحاد الوطني (54 - 1956) بزعامة عبدالرحمن الباكر دورها الكبير في بث روح الثورة والعزة والأنفة في نفوس الناس، كما ساهمت في نشر الوعي الوطني، إلى أن جاءت انتفاضة مارس 65 حاملة معها الغضب الشعبي على الاستعمار وتصرفات أذنابه. كما لم يكن خافياً إشعاعات حركات التحرر الوطني في الإقليم والوطن العربي والعالم أجمع، والتي كان لها أثر كبير في تبلور وعي قومي ثائر لدى قطاعات عريضة في المجتمع البحريني.
كثيرة هي الأسرار المحاطة بعملية الاستقلال، حتى التاريخ تم تغييره أو تجاهل الاحتفال به. كما أن الغموض يلف علاقة الأسرة الحاكمة وشخصياتها في كثير من المفاصل التاريخية، مع أننا نجلس مع الكثير من الشيوخ من آل خليفة الكرام، ويتحدثون عن همومنا المشتركة كبحرينيين وعرب ومسلمين جميعاً، إلا أن معلومات انقضى على بعضها أكثر من نصف قرن لا تزال طي الكتمان، ولا تريد السلطة أن تبادر بتدوينها للتاريخ، وكأمانة تنقلها للأجيال القادمة، فأي تعتيم هذا!
في هذه المناسبة الوطنية، ذكرى الاستقلال، من المناسب شحذ عقولنا والنبش بأظفارنا في أعماق ذاكرتنا الوطنية. وفي هذا التاريخ شخصيات كان لها دورها بشكل أو بآخر، من تلك الشخصيات الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، إذ بحسب رؤية سريعة لخريطة المظاهرات، وتحديداً في المحرق، نجد غالبيتها تقع ملاصقة لبيوت الشيخ عبدالله بن عيسى (أحد أبناء الحاكم المعزول من قبل الإنجليز «عيسى بن علي» وأخ الحاكم حمد)، في الحقيقة هذه الزاوية تحديداً تحتاج لقراءة معمقة لطبيعة الصراع، إن كان هناك صراع بين أجنحة الحكم أو ارتباط شعبي لعبدالله بن عيسى بالأحداث من جانب آخر؟ خصوصاً إنه بحسب شهادة الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة أن بيت الشيخ الشمالي (الشيخة سهيلة) صيدلية «رويان» حالياً، يعتبر الملاذ الآمن للثوار والجرحى وطالبي حماية المشاركين في انتفاضة مارس 65 المجيدة، كما أنه كان يرمى من البيت ذاته، الخيش المنقوع في الماء على المتظاهرين والثوار!
وجود بيوت الشيخ «عبدالله بن عيسى» في بؤرة الأحداث وعدم إصابته بأي ضرر من قبل المتظاهرين؛ بل إن الثوار والمتظاهرين رفعوا سيارته لعبور الحاجز الذي أقاموه في وجه سيارات الجيش البريطاني، كل ذلك له دلالة على وجود صلة ما بين الشيخ عبدالله بن عيسى والثوار أو على أقل تقدير تعاطفه معهم، على الأخص إن مطالبهم (المتظاهرون والثوار) لا تمس طبيعة النظام؛ بل كانت موجهة إلى شركة النفط والاحتلال البريطاني.
كما أنه نفسه، أي عبدالله بن عيسى كما هم آل خليفة الآخرون من سكنة المحرق، لم يتزحزحوا عن المحرق، ويروى عن عبدالله بن عيسى قول مشهور حينما تم طرح مسألة حرق المحرق، إذ تمثل واقفاً: إنني لن أخرج من المحرق، وإذا أردتم أن تحرقوها فأحرقوني معها، وقوله أيضاً: إذا أحرقتم المحرق فأي شعب أنتم تحكمون»، وذلك دليل على الثقل الديمغرافي والسياسي والثقافي الذي تمثله المحرق العاصمة القديمة.
كل تلك الأحداث في ذاكرة التاريخ، عبدالله بن عيسى شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يتهمه والبعض يمتدحه ويرفعه عالياً. بعض من جلست معهم تحدثوا كثيراً عن أنفة الشيخ وعزة نفسه، وتضحيته وإيثاره، والبعض الآخر، استند إلى الوثائق البريطانية التي روت الكثير عن الشيخ عبدالله بن عيسى.
المطلوب من البحاثة والمهتمين بالتأريخ التركيز على طبيعة العلاقة بين الشيخ عبدالله بن عيسى والمتظاهرين. إذ كلما خرجت مظاهرة كان الملاذ الآمن للمتظاهرين أحد بيوت الشيخ عبدالله، وأكثر من ذلك هو مداواة الجرحى في بيت الشيخ عبدالله... فما هي طبيعة تلك العلاقة؟ مع العلم إن السلطة في ذلك الوقت لم يكن بيدها أي أمر وإن للإنجليز الأمر كله! هذه العلاقة لابد من تفصيلها والغوص في أعماقها لفك طلاسم الكثير من العلاقات الغامضة في محيط العائلة الحاكمة مع القوى الشعبية
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ