العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ

حين تسفر الحرب عن خسفها

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كلما ندرت المواجهات في الحروب، كلما آذن ذلك بمزيد من الخسف، ومزيد من أنهار الدم تراق. آلة الحرب القميئة اكتسبت تلك الصفة من خلاعة الإنسان وقبحه ونواياه المفتوحة على الشر والخسف.

بحسب تعبير المنسق الخاص في الأمم المتحدة، يان ايغلاند، في حديثه عن الهجمة الصهيونية الشرسة على لبنان: «حرب يفوق فيها عدد الأطفال المقتولين، عدد الرجال المسلحين».

فقط في الحرب يمكننا الزعم بأننا في مواجهة حقيقية ومباشرة مع الموت وملامحه. فقط في الحرب يمكن الزعم أن ملامح الموت تبدو كاملة غير منقوصة، بكل ما تتسم به من بشاعة ورعب وإيذان بانحسار الحياة.

الذين يزعمون أن الحرب يمكنها أن تحقق حالا من السلام واهمون. صحيح أنه يمكن للحرب أن تحقق نوعا من الاستقرار وإعادة النظر في بناء الأمة والدولة، ولكنها تظل حاضرة هناك في ثنايا كل إنجاز بشري يبدأ بزوغه. مثل ذلك الحضور ربما يتجاوز اكتفاءه بما هو عليه إلى حال من إعادة الأمور والأوضاع إلى ما كانت عليه. خصوصا اذا ما كانت الدول والأمم التي عانت وتعاني من الحروب، تفتقر إلى أدنى اهتمام بقيمة الانسان ودوره ومركزيته في حركة الحياة.

الحرب مهما كانت عناوينها والشعارات التي ترفعها، واحدة من الأسباب التي تجعل من هذا الكوكب محرقة كبيرة وعملاقة. جهنم ببساتين وأودية وأنهار وشوارع وعمارات. سرعان ما تأتي الحرب عليها وتحيلها قاعا صفصفا.

قليلة هي الحروب ذات البعد الأخلاقي، من حيث التزامها بقيمة الانسان والبيئة من حوله. حتى بعض الحروب التي خاضها المسلمون لم تخل من انتهاك لحقوق الإنسان والبيئة وكل ما يحيط بهما.

ذكر المؤرخ، علي بن الحسين المسعودي في الجزء الثالث من سفره «مروج الذهب»: كتب معاوية إلى علي: «أما بعد، فلو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، وانّا وان كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا فيها ما نرمُّ به ما مضى (1)، ونصلح به ما يقي، وكنت سألتك الشام على ألا تلزمني لك الطاعة، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك اليه أمس، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو، ولا تخاف من القتال إلا ما أخاف، وقد والله رقّتِ الأجناد (2)، وذهبت الرجال».

فكتب إليه الإمام عليّ : «من علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، وإنّا وإياك نلتمس فيها غاية لم نبلغها بعد. فأما طلبك مني الشام فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا (3) في الخوف والرجاء فلست بأمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة».

لما انتهى جيش مسلم بن عقبة المرّي من المدينة إلى الموضع المعروف بالحَرّة، وعليهم مسرف، خرج إلى حربه أهلها، عليهم عبدالله بن مطيع العدوي، وعبدالله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وكانت وقعة عظيمة، قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم، وسائر قريش، والأنصار، وغيرهم من سائر الناس.

فممن قتل من آل ابي طالب اثنان: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن علي بن ابي طالب، ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب: الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، وحمزة بن عبدالله بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، والعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب، وبضع وتسعون رجلا من سائر قريش ومثلهم من الأنصار، وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم يعرف.

حدّث محمد بن سليمان بن داود البصري المنقري الجوهري، أحد رواة الأخبار، وروى عن العتبي وغيره، وروى عنه المسعودي، قال حدّثني سويد بن سعيد، قال: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن محمد بن عبدالرحمن، عن أبي مسلم النخعي، قال: رأيت رأس الحسين جيء به، فوضع في دار الامارة بالكوفة بين يدي عبيدالله بن زياد، ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد قد جيء به، فوضع في ذلك الموضع بين يدي المختار الثقفي، ثم رأيت رأس المختار قد جيء به فوضع بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير قد جيء به فوضع في ذلك الموضع بين يدي عبدالملك بن مروان.

(1) نرمّ: نصلح (2) رقّت: فنيت (3) استواؤنا: المساواة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً