أنهى عدوان «إسرائيل» الدموي على لبنان أسبوعه الرابع، من دون أن تتبين فرصة حقيقية لوقف العدوان، ووضع حد لعمليات أوقعت خسائر بشرية ومادية بلبنان، لم يحدث أن شهدها لبنان في فترة زمنية مماثلة على رغم كل الحروب التي حدثت في لبنان منذ أربعينات القرن الماضي، وكانت فيها فصول من الحرب الأهلية وأخرى من حروب «إسرائيل» وخصوصا اجتياحي العامين 1978 و1982.
وإذا كان حجم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي أوقعها العدوان الاسرائيلي بلبنان، هو أمر طبيعي في سياق حروب «إسرائيل» على لبنان وغيره من الدول العربية، فإن هذا الحجم مقارنة بسبب بدء العدوان ومساره، يعتبر فضيحة حقيقية لعدم وجود أي تناسب بين عملية حزب الله ضد «إسرائيل» وحرب الأخيرة على لبنان، وهو أمر دفع كثيرا من رجال السياسة في الدول الغربية إلى قول إن «إسرائيل» ردت على عملية حزب الله بعشرات - بل ربما بمئات أمثالها -، الأمر الذي يشكل فضيحة لسياسة «إسرائيل» في المستويات المختلفة وعلى أكثر من صعيد.
أما الفضيحة الثانية المحيطة بعدوان «إسرائيل» الحالي على لبنان، فتتصل بالسياسة الدولية، وخصوصا سياسات الدول الكبرى وموقفها من العدوان على لبنان، ذلك ان عددا من الدول أيدت العدوان ووصفته بـ «الحق في الدفاع عن النفس»، وطلب من لبنان الاستجابة للمطالب الاسرائيلية، وكان الأبرز في مواقف هذه الدول موقف كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، واللذين ظهرا أكثر تشدداً من الموقف الاسرائيلي نفسه، وقد فرض الموقفان ظلالهما على قمة الدول الصناعية الثماني في بطرسبورغ المنعقد مع بدء العدوان، فتبنت تلك القمة موقف «إسرائيل» والولايات المتحدة في العدوان على لبنان.
وبدا من الطبيعي ان تقود فضيحة السياسة الدولية إزاء العدوان إلى فضيحة أخرى، هي فضيحة موقف المؤسسات الدولية لاسيما مجلس الامن الدولي الذي لم يستطع أن يندد بالعدوان، ولا أن يصدر قراراً بإدانته، ووقف عمليات «إسرائيل» الدموية، على رغم أن المهمة الأساسية للمجلس هي المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، ما جعل عمليات «إسرائيل» ضد لبنان، وكأنها في هذا السياق، وهو ما جعل الحكومة الاسرائيلية تعلن انها تسعى إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 1559، وهي الدولة العضو في الأمم المتحدة، التي امتنعت في تاريخها عن تنفيذ مئات من قرارات مجلس الأمن ذاته، بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة.
وعلى رغم أن الفضائح المحيطة بالعدوان الاسرائيلي أساسها دول وقوى معادية للبنان، فإن بعضاً من تلك الفضائح تتصل بأصدقاء لبنان ودول شقيقة غالباً ما أظهرت دعمها وتأييدها للبنان، بل إن بعضها ساند بصورة علنية وقوية المقاومة الاسلامية في تحديها لـ «إسرائيل» في موضوعين أساسيين هما العمل على تحرير مزارع شبعا وتحرير الاسرى اللبنانيين، لكن عندما وقع العدوان الاسرائيلي، وأخذت فصوله الدموية تتلاحق، أخذ أعضاء تلك المجموعة من أصدقاء لبنان وأشقائه في تكريس دعم لفظي لا معنى له من جهة ودعم مادي محدود، وكلاهما يمكن أن يستغني عنه اللبنانيون بقليل من معاناة، لا تقارن بحجم المعاناة التي صاروا إليها شعباً وكياناً ومؤسسات.
لقد ركز عدد من الدول الاجنبية والعربية في الأيام القليلة الماضية على موضوع الاعانات المادية والعينية من أجل مساعدة اللبنانيين في مواجهة ما تركه ويتركه العدوان من آثار، وعلى رغم ان ذلك يشكل واجباً سياسياً وأخلاقياً لابد من القيام به في إطار التضامن الإنساني بعد أن أعلن رئيس الوزراء اللبناني وقوع لبنان في كارثة، فإنه لابد للنظر في موضوع المساعدات من زاويتين، الاولى ان المساعدات ومهما بلغت، فإنها لا تعوض اللبنانيين عما خسروه إنسانياً ومادياً، والزاوية الثانية، ان المساعدات لا معنى لها، إذ لم يتم إيقاف العدوان المستمر والمتصاعد على لبنان، بل إن المساعدات يمكن أن تلعب دوراً سلبياً في لجم العدوان؛ لأنها تخفف ضغوط الرأي العام الدولي وجماعاته الحية من أجل وقف العدوان.
لقد كشف العدوان في مجرياته وتداعياته على المستويات المختلفة عن فضائح كبرى في سياسات الدول الكبرى والصغيرة، القريبة والبعيدة، الصديقة والعدوة، تركت آثارها في هيئات ومؤسسات دولية وإقليمية، بحيث إما أنها دعمت العدوان الاسرائيلي على لبنان وإما تهاونت، وأخرى تخاذلت عن الوقوف بوجهه ووضع حد لعملياته الدموية، والأمر في هذا لا يعني الدول والمؤسسات فقط، بل انه في أحد جوانبه تعبير عن تدني مستوى المسئولية الانسانية والأخلاقية السائدة في عالم اليوم إزاء ما يجري والذي انعكست بضعف ردة فعل الرأي العام، وربما هذه هي أكبر الفضائح التي كشفها العدوان الإسرائيلي على لبنان
العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ