الاسكندرية أسسها الإسكندر المقدوني أو الفاتح الأكبر. كما يشير مؤلف صدر حديثاً في لندن بعنوان «الاسكندرية كتاريخ وأسطورة»، ويتناول المؤلف تاريخ مدينة الاسكندرية والمكتبة القديمة وما تم العثور عليه من مؤلفات أرسطو معلم الإسكندر. الوصول إلى هذه المدينة يمثل قمة الراحة النفسية بالنسبة الي، لما علق بنفسي من طيب هوائها ورقي أهلها وناسها. نخوة أهل البحر وطبائعهم القريبة من نفس ابن المحرق... وجالت بخاطري أبيات نظمها الكاتب الشاعر خليفة حسن قاسم (رحمه الله) عن المحرق:

يقولون من تلك التي أنت تعشق

وتذهل عنا حين تطــرى وتشهق

فقلت لهم غيداء لم ير حسنهـا

جرير ولم يعرف هواها الفرزدق

ولو أن «بشار بن برد» صبا لها

لأبصــر جفنــه وهو مطبـق

وما هي «سعدى» أو «رباب» وإنما

هي الدرة الحسنـاء وهي «المحرق»

لذلك قررت أن أرمي بنفسي في حضن معشوقتي (الاسكندرية). هذه المدينة الساحلية التي احتضنتني حتى كادت ضلوعي تنتثر بين جوانحي... أول ما نزلت الاسكندرية قادماً من القاهرة سرى بي إحساس يردد: اقتربت من الوطن!

«للسكندرانية» نصيب كبير من الانفتاح، بحكم قربهم من البلاد الأوروبية. وتعتبر الاسكندرية الوجه البحري من ناحية الشمال لمصر. وقد وطأتها أقدام الغزاة أول ما وطأت هنا، فمن الإغريق، والبطالمة»، والرومان القائمة معابدهم والبادية آثارهم للعيان لغاية اليوم، إلى الإنجليز مروراً بالفرنساويين... كل هؤلاء مروا من هنا واليوم رحلوا جميعاً، وبقي أهل الاسكندرية! وتبقى الاسكندرية هي المكان الذي يهواه قلبي، وجميع أحاسيس برج «الحوت» تتحرك داخلي!

أسرعت إلى مقر إقامتي، وبعد نوم عميق، والله لم أذقه طوال شهرين قضيتهما في القاهرة، إذ كنت حينها مجبراً على العيش بعكس الساعة البيولوجية لجسم الإنسان! بعد الصحيان من النوم باكراً اتجهت إلى البحر، وقد استضافني شط الاسكندرية مرات عدة وكان مضيافاً... وشاطئ الاسكندرية مصيف لسكان المناطق الصحراوية والوجه «القبلي» (البري) بمصر.

الفروقات واضحة والبون شاسع بين الاسكندرية والقاهرة، فالأخيرة لا تحرك أحاسيسي إلا باتجاه علاقاتي وصداقاتي الإنسانية التي نسجتها هناك وأودعتها نهر النيل العظيم. وأغلى ما يخرج به الإنسان جميل الذكريات و«الأحلام»، و«الأمل» الذي يمنح المرء الاقتدار على حمل آلام الفراق على رغم «الانكسار» النفسي!

بعد الاستمتاع «بشط اسكندرية»، سألت نفسي: لماذا لا يوجد لدينا في البحرين ما نستمتع به ونلطف به اجواءنا بعد عناء أيام العمل؟ هل البحرين جزيرة بلا سواحل؟ ألا يستحق البحريني أن يصيف في بلاده التي يحوطها البحر من كل جانب؟ أليس هذا دليلاً على أن مصر، بما يقال عنها من وجود فساد وسوء توزيع للثروة، إلا أن أحداً من المتنفذين لم يستطع أن يحرم الناس من البحر! قد يكون لسكوت الناس وسكونهم دور كبير في هذا الأمر... إذ «كيفما تكونوا يولى عليكم»، والمصريون يقولون في أمثالهم من وحي تاريخهم: «يا فرعون من فرعنك؟ قال ما لقيت حد يردني»