في مناسبات عدة سمعنا البيئيين وغير البيئيين يتحدثون عن أن المشكلات البيئية في البحرين أساسها ليس عدم وجود قوانين بل الفشل في تطبيق تلك القوانين. وإذا أردنا تحليل أسباب ذلك الفشل بعد تسليمنا بواقعه فعلينا أن نفهم ما الذي يجعل أحد القوانين فاعلة ومؤدية لدورها بينما قانون آخر مهمل؟ لماذا نتعامل في حياتنا اليومية مع بعض القوانين (المانعة) على أنها خطوط حمراء لا نقترب منها بينما نتفاخر بمقدرتنا على كسر قوانين أخرى، في الوقت الذي يحدد فيه التزامنا من عدمه بمجموعة أخرى من القوانين مدى ملاءمتها من عدم ملاءمتها لنا.
في رأيي أن هناك خطوات ثلاث أساسية يجب أن نخطوها كي يكون أي قانون (لا سيما البيئية) ملزماً وفاعلاً وقادراً على حماية نفسه. الخطوة الأولى هي العلم به، والثانية الوعي بأهميته، والثالثة الوعي بنتيجة عدم الالتزام به.
العلم به يعني علمي بأن هناك نصا قانونيا يجرم مخالفة ما والعلم بمعناه والصور المختلفة لتلك المخالفة. الوعي بأهميته يعني فهمي لأسباب سن ذلك القانون واقتناعي بأنه لأجل الصالح العام. الوعي بنتيجة عدم الالتزام به يستحق وقفة خاصة؛ فمعناه المباشر إدراكي بأنني في حال مخالفتي لهذا القانون بعد معرفتي به وفهمي لأهميته فإنني سأتسبب في مشكلة بيئية للناس ولنفسي، وربما للبيئة بشكل عام (محاسبة النفس)، وأنه سيتم عقابي على تلك المخالفة (محاسبة قانونية) وسينظر لي الآخرون على أنني اعتديت على حقوقهم (المحاسبة المجتمعية) بقدر يردعني عن الإقدام على المخالفة.
كي يتحقق ذلك لابد من آليات واضحة قوية ومنظمة للرقابة البيئية والرصد البيئي. لابد وأن أشعر قبل أن أرتكب المخالفة أن فرص ضبط مخالفتي عالية لا يجدر بي المجازفة معها، وأن فرص نجاتي من المحاسبة بعد الضبط ضئيلة جدا لا يمكنني التعويل عليها، وفرص حصولي على عقاب مخفف شبه معدومة. عندها سأفكر طويلاً قبل ارتكاب المخالفات البيئية.
نقطة أخرى تؤثر في ميزان الالتزام من عدمه هي التناسب والتدرج؛ فلابد أن يكون العقاب متناسباً مع الجرم متدرجا حسب تدرج قوته وأثره، وأكبر من كلفة الالتزام. فإذا كان دفني للبحر بأسلوب دفن مخالف للأنظمة والقوانين وبكلفة قليلة جدا يوفر علي مليوني دينار بحريني مثلاً وكانت كلفة هذه المخالفة ألف دينار مع فرصة لضبطي لا تتعدى 10 في المئة، ولم يكن لدي ضمير أو وعي يردعني فأنا في الغالب سأدفن البحر مستخدما الأساليب الأقل كلفة وستكون مقامرتي محمودة العواقب.
أذكر على سبيل المثال جزيرة مشتان محمية بموجب قرار (1) لسنة 2002 والتي جاء قرار الحفاظ عليها من أجل المحافظة على البيئات الطبيعية لمختلف أنواع الكائنات الفطرية في البر والبحر، وحماية الأنواع النادرة منها أو المهددة بالانقراض. كنت في يوليو/ تموز من العام ذاته أعمل دراسة ميدانية في جزر حوار عن إمكان إقامة سياحة بيئية بها ما يستدعي تنقلي بين جزر حوار ودراسة بيئاتها وطبيعة الحياة فيها وما يستدعي تنقلي بين جزر حوار وجزيرة المنامة الأم. وكنت في طريقي البحري أمر بجزر البحرين الجنوبية وأهمها مشتان والمعترض. لفت نظري حينها وجود خيمة على جزيرة مشتان. استفسرت عنها فأخبرت أنها هناك منذ أمد بعيد. وسألت عن سبب وجودها ثم نزلت على الجزيرة وتفحصت محتوياتها، لتتأكد حقيقة انها ملك لبعض مرتادي البحر. وجود تلك الخيمة كان مخالفا للقرار المذكور، تعاون الاخوة من الجهات المعنية وتمت إزالتها. اتساءل أحيانا وأنا أمر قرب مشتان لو أننا لم نرصد ونبلغ ونلح حينها، فكم سيكون عدد الخيام التي كان من الممكن أن تكون هناك على أرض الجزيرة؟
سؤال للتفكير: لماذا تحتل إشارات المرور المزودة بالكاميرات (التي نعرف جميعا أنها تعمل بكفاءة وتصدر ضوءً كبيراً وصوتاً واضحاً عندما نقطع الإشارة الحمراء) المكانة الأكبر من الاحترام لدى سائقي السيارات؟
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1433 - الثلثاء 08 أغسطس 2006م الموافق 13 رجب 1427هـ