بعد أن ودعت الإخوة المشاركين معي في «الدبلوم» بالقاهرة، وودعت أعزاء آخرين على قلبي ولي معهم ذكريات... وأجمل ما يحتفظ به المرء ذكرياته، كانت وجهتي محطة القطار بميدان «رمسيس» في وسط القاهرة، لأنتقل إلى مدينة الإسكندرية.
بعد الصعود إلى القطار المتجه إلى الإسكندرية هرباً من ضجيج القاهرة، ناجياً بنفسي (راحتي النفسية) ومالي (نقودي) من سياط الموسم، الذي ترتفع فيه الأسعار إلى ضعف الضعف!
استصحبت في رحلتي، بالإضافة إلى صحف المعارضة، كتاب «مذكرات الصحافيين - في خدمة السلطة» محمد الجوادي، فالرحلة بين القاهرة والإسكندرية تستغرق ساعتين ونصف الساعة، إذ تربو المسافة على المئتي كيلومتر.
قبل انطلاق القطار، أبدت مجموعة من المواطنين استياءهم من عدم تشغيل مكيف القطار، وكانوا ثائرين إلى الحد الذي أشركوا فيه رئيس الجمهورية وسياسة النظام القائم كأطراف لها صلة بالعطل الذي أصاب المكيف! مع أن تكييف القطار لا يقع ضمن اختصاصات «الرئيس» أو النظام السياسي؛ إلا إنها مفاعيل الاحتقان الشعبي! وقد وصلت إلى مرحلة الذروة، وهو ما ينبئ بأن «التغيير قادم»!
جلست بجانبي، في القطار، إحدى السيدات وتدعى «بسبس»، ولها قصة مع «الأمل» سأرويها بحسب اقتدار القلم من دون «الانكسار» أمام ظروف النشر... غلبت علي الرغبة في الكتابة، ولم يكن لدي ورق، فما كان مني إلا أن استرحمت «بسبس» بأن تفيض علي من الورق الذي تحمله بين جنبيها. أسرعت «بسبس» بالتفتيش في ملفاتها فوجدت ورقة واحدة مكتوباً على جانب منها والجانب الآخر أبيض، فقالت بأدب بنت مصر العروبة والإسلام: تصلح «دي» يا فندم؟ فقلت لها: شكراً جزيلاً، إنها تفي بالغرض.
جلس خلفي ضباط من سلاح البحرية المصري قادمين للتو من البحرين، في زيارة إلى القاعدة الأميركية بالجفير - التي غادرت منها صواريخ سفن الأسطول الخامس لدك كابول وبغداد - ودار الحديث بيني وبينهم عن البحرين (أثاروا في نفسي شجون الغربة) وأجمعوا على أن البحرين بلد جميل، وذكروا لي مجموعة من الأماكن التي قاموا بزيارتها في البحرين، منها بالطبع مجمعات «السيف» و«جيان» و«رامز»... سبحان الله، ثلاثية تراتبية تعبر عن الحال المادية لشعب البحرين؛ لو أنهم أضافوا السوق الشعبية وسوق «المقاصيص» لاكتمل العقد، ولارتسمت صورة التقسيم الطبقي لمجتمعنا البحريني!
على مشارف الإسكندرية، وقف الناس، وتكدسوا في رأس المقطورة، وسمعت جدالاً بين شاب عائد للتو من لندن، وقد أمضى بها قرابة ثلاث سنوات، وبين رجل مضى على ولادته نصف قرن، وكان الحوار يدور حول: لماذا تقدم العالم ونحن تخلفنا؟ لماذا يتحدثون عن أن عدد سكان مصر الكبير هو السبب في أزماتها الاقتصادية في حين ان عدد سكان الصين أكبر وليس لديها «زي» أزماتنا؟
لم أكن طرفاً في الحوار (على غير عادتي) وانتهى المتحاورون إلى نتيجة سبق أن طرحها المفكر عبدالوهاب المسيري في صحيفة «الكرامة» الأسبوع الماضي وهي: «الناس يقولون ما يريدون والحكومة تفعل ما تريد». وإنها لعمري قسمة ضيزى
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1431 - الأحد 06 أغسطس 2006م الموافق 11 رجب 1427هـ