حذر الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك من أن الفظائع التي ترتكب حاليا في لبنان تنذر باحتمال وقوع 11 سبتمبر/ أيلول جديد سيفضي إلى نتائج مؤثرة على العالم بأسره.
وقال فيسك في مقال نشرته أمس صحيفة «الاندبندنت» على شبكة الانترنت إنه في الوقت الذي تودي فيه الحرب في لبنان بأرواح مزيد من الأبرياء يبدو أن هذا الصراع ليس له اى مغزى واضح أو محدد. فقد قتلت القوات الجوية الإسرائيلية حتى الآن نحو 50 من مقاتلي حزب الله وما يربو على 600 مدني إضافة إلى تدمير الكثير من الجسور والمصانع ومحطات الوقود ومستودعات تخزينه ومدارج الإقلاع والهبوط في المطار علاوة على آلاف المنازل... ولكن لماذا كل هذا؟!
فهل لاتزال الولايات المتحدة تصدق المزاعم التي ترددها «إسرائيل» عن أنها ستدمر حزب الله على رغم أنه يبدو أن جيشها غير قادر على تحقيق شيء من هذا القبيل؟ ألا تدرك واشنطن أن «إسرائيل» - عندما يصيبها الإنهاك من الحرب - ستطلب وقف إطلاق النار وهو الشيء الذي لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقه إلا من خلال التحرك على طريق ترفضه بشده ألا وهو طريق الذهاب إلى دمشق وطلب مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد؟!
أما في لبنان ذاته، فسيتم مع مضي الوقت إعادة بناء الجسور والأبنية التي تهدمت بقروض ومنح أوروبية على الأرجح ولكن الشيء الذي لن يتسنى بناؤه مرة أخرى هو ثقة اللبنانيين في المؤسسات الديمقراطية التي كانت واشنطن أغدقت عليها الكثير من الثناء في العام الماضي.
فما هو مغزى أن تكون لدى الشعب حكومة منتخبة على أساس ديمقراطي ولكنها غير قادرة على توفير الحماية له؟ وما أهمية أن يكون هناك جيش لبناني قوامه 75 ألف جندي غير أن جنوده غير قادرين على حماية الأمة ولا يستطيعون إطلاق نيران أسلحتهم على أعداء لبنان، كما أنهم عاجزون كذلك عن نزع سلاح مقاتلي حزب الله؟
ولعل الشيء الأكثر أهمية هو أن حزب الله بات يمثل الآن جيش لبنان الفعلي في أعين الكثير من اللبنانيين. ومضى فيسك يقول إن حزب الله يبدي مقاومة ضارية، كما أنه يشن هجمات على القوات البرية الإسرائيلية داخل لبنان إلى حد أن الكثير من الناس لم يعودوا يذكرون الآن أن حزب الله كان هو الذي تسبب في إشعال فتيل هذه الحرب بسبب الهجوم الذي نفذه في يوليو الماضي وتمكن من خلاله من قتل ثلاثة جنود اسرائيليين واسر اثنين آخرين.
وعلاوة على ذلك، أصبحت التهديدات الإسرائيلية بتوسيع نطاق الصراع تثير لدى المواطنين اللبنانيين رغبة في التفكه والضحك وليس مشاعر الهلع التي كانت دائما تتولد لديهم على مدار الثلاثين عاما الماضية عندما كانوا يستمعون لتهديدات «إسرائيل» لبلادهم. فاللبنانيون يتساءلون الآن: إذا ما ضربت تل أبيب، هل ستضرب بيروت... وإذا ما ضرب قلب بيروت، هل ستضرب تل أبيب؟ لقد أصبح حزب الله يستخدم حاليا لغة «إسرائيل» نفسها التي ترى أن العين بالعين والسن بالسن وأن كل شطحة إسرائيلية ستقابلها شطحة مماثلة من حزب الله.
وتساءل فيسك في مقاله عما إذا كان الاسرائيليون يدركون أنهم يتسببون بتصرفاتهم الحالية في إضفاء غطاء من الشرعية على حزب الله، إذ إن هذه الجماعة التي تضم حفنة من المقاتلين غير النظاميين تجابه بقوة جنود الجيش الاسرئيلي وقواتهم الجوية التي تقصف أهدافا تبرهن على أنهم مجرمو حرب، وذلك إذا ما كانت تقصف عن عمد في حين أنها تنم - إذا كانت «إسرائيل» تهاجمها بطريق الخطأ - عن أن جنود «إسرائيل» ليسوا سوى مجرد مجموعة من الدهماء الذين يفضلون كثيرا الجيوش العربية التي يقاتلونها منذ أكثر من خمسين عاما.
ويضيف فيسك قائلا: وثمة تغيير مهم آخر حدث في المنطقة ألا وهو أنه قد أصبحت لدى العرب الآن رغبة متزايدة في نبذ مشاعر الخوف. وعندما تتخلى الشعوب عن خوفها، لا يكون من السهل أبدا بالنسبة لها أن تصاب بفيروس الخوف مرة أخرى. إن السياسة التي اتبعتها «إسرائيل» دائما بالعمل على إخضاع العرب لم تعد تفلح الآن... وهذه هي السياسة نفسها التي يكتشف الأميركيون الآن أنها قد أشهرت إفلاسها التام في العراق. واختتم فيسك قائلا: «إن الغرب وأميركا و«إسرائيل» لم تعد تواجه الآن قوميين بل إسلاميين. وبعد ما حدث في لبنان الأسبوع الماضي عندما تعرض أطفال قانا للذبح إلى حد أنهم لم يجدوا حقائب بلاستيكية لوضع جثثهم بها ومن ثم فإنهم اضطروا للف جثثهم بقطع من السجاد، فإن أخشى ما أخشاه الآن هو أننا قد نواجه قريبا 11 سبتمبر جديدا»
العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ