العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ

المقاومة هي جامعة الشعوب العربية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

هل بقيت هناك حاجة إلى الجامعة العربية في قضايا العالم العربي الحيوية أو المصيرية؟

لقد وُلدت هذه الجامعة كمنظمة من إرادة غير عربية، وذلك في ظل رعاية الدولة البريطانية التي استهدفت الإمساك بالقرار العربي، واحتواء السياسة العربية مجتمعة لحساب السياسة الغربية آنذاك.

ومنذ بدأت القضية الفلسطينية تتحرك في الاهتمامات السياسية لهذه الجامعة، كانت فلسطين تسقط بيد اليهود خضوعاً إلى معادلة اللعبة الدولية التي تحركت في مفاصل القرار العربي، وإن تمت تغطية ذلك بأكثر من حرب تمثيلية، وكانت التنازلات العربية تتوالى من قمة إلى قمة، حتى انتهت إلى قمة بيروت العربية التي قدم فيها العرب إلى «إسرائيل» السلام والاعتراف في مقابل الأرض، ورفضت «إسرائيل» ذلك بالتنسيق مع أميركا التي اعتبرت القرار صالحاً للتفاوض لا للتنفيذ!

لقد دخلت القضية الفلسطينية في المتاهات السياسية، وتوج ذلك بنجاح السياسة الأميركية في التخطيط للصلح العربي الإسرائيلي في مصر والأردن. وضمن هذا الجو جرى إلغاء أية مقامات لحرب عربية تستهدف تحرير فلسطين، وكان آخر نصر عربي في مصر قد تحول إلى هزيمة، لتتحول سياسة غالبية الأنظمة العربية بعد ذلك نحو الاعتراف بـ «إسرائيل»، وفتح ممثليات اقتصادية وسياسية تحت الطاولة وفوقها، كوسيلة دبلوماسية تخطط للصلح الكامل في المستقبل، وسقطت بفعل هذا التراجع العربي معاهدة الدفاع المشترك بين العرب.

وعلى هذا المسار نفسه، تحولت لقاءات الجامعة العربية إلى ما يشبه الإنشاء العربي في قراراتها على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية والقمة؛ لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق على القضايا الحيوية، وانحسرت بذلك عملية إصدار القرار العربي لا إلى ما يبرر التراجع فحسب، بل لحفظ ماء الوجه، ولم يبقَ هناك عالم عربي بالمعنى السياسي منذ مؤتمر مدريد الذي لم يسمح للجامعة حتى بدور المراقب؛ لأن «إسرائيل» ومعها أميركا لا تقبلان بالمفاوضات مع العرب مجتمعين؛ لأنها لا تعترف بعالم عربي بل تتعامل مع كل قطر بمفرده.

وهكذا انطلقت التمزقات العربية في دائرة الضغط الأميركي، لتصل إلى مستوى تحرر العرب من فلسطين بدلاً من تحريرها... ودخلت القضية من جديد في اللعبة الدولية، لا سيما في الاستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية، وهو ما تجلى في إلقاء قادة هذه الاستراتيجية أكثر من حديث خادع عن الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية، ما يُكثر الرئيس الأميركي الحديث عنه بطريقة استهلاكية، وخصوصاً في الترويج لخطة خريطة الطريق التي قرارتها اللجنة الرباعية الدولية، من دون أن تملك هذه الخطة أية فرصة للتنفيذ بعيداً عن الإرادة الإسرائيلية الأميركية، فيما كانت «إسرائيل» في هذه الظروف التفاوضية الخادعة تتابع تنفيذ خطتها في اقتطاع الأراضي الفلسطينية لحساب المستوطنات في الضفة والقدس، والجدار الفاصل، ورفضت بموافقة الولايات المتحدة الأميركية عودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وأكدت الصفة اليهودية للدولة، وأسقطت القيادة الفلسطينية، ورفضت المفاوضات تحت شعار عدم وجود شريك فلسطيني، وعملت مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الانتفاضة على تقديم الأمن على السياسة، وذلك في ظل وتيرة إجرامية متصاعدة ضد الفلسطينيين.

ولم تستطع الجامعة العربية أن تفعل شيئاً بفعل الإرادة العربية الرسمية المشلولة، وعجزها المطلق أمام الضغط الأميركي... وسرعان ما أخذت بعض الدول العربية استنكاراً للانتفاضة وللفصائل المجاهدة، كما لو كانت هي المشكلة وليست «إسرائيل»، حتى أنها تنكّرت للحكومة الفلسطينية المنتخبة بطريقة ديمقراطية؛ لأن أميركا ومعها أوروبا لا توافق على التعاون معها إلا بشروط تعجيزية.

ومازالت المجازر اليهودية بحق الفلسطينيين لا تحرّك ساكناً في قرارات الجامعة العربية. وكانت نهاية المطاف إعلان الأمين العام للجامعة أن عملية السلام العربية الإسرائيلية ماتت بعد أن سلمتها أميركا إلى «إسرائيل». ولم يستطع العرب الوصول إلى قرار عقد قمة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان. وربما كان بعضهم يجد العذر لـ «إسرائيل» في كل عدوانها ليحمّل المقاومة المسئولية في ذلك، وعلى رغم أن شعوب العالم العربي وقفت ضد العدوان، ورفضت سياسة أنظمتها وأيدت المقاومة.

إن السؤال الذي يفرض نفسه على الجامعة العربية هو: هل بقيت حاجة إلى الجامعة بعد سقوط القضايا المصيرية عند هذه الأنظمة بالضربة الأميركية والإسرائيلية القاضية؟ ولماذا يقبل الحكام العرب الإذلال الأميركي في كل القضايا العربية لحساب الدعم المطلق لـ «إسرائيل» حتى على مستوى وقف إطلاق النار، والهادف أولاً إلى منع المجازر الوحشية التي تقوم بها «إسرائيل» بالتنسيق الشامل مع أميركا؟

إن أميركا لم تمنح أي دولة عربية في المشكلة اللبنانية والفلسطينية أي موقف إيجابي، في الوقت الذي نعرف فيه أن العرب ليسوا بحاجة إلى أميركا، سواء في الجانب الاقتصادي أم السياسي أم الأمني، بل إن أميركا هي التي تحتاج إلى العالم العربي.

إننا لا نطالب الأنظمة بأن تعلن الحرب على «إسرائيل» كما يتحدث بعض الرؤساء بالرفض لذلك بل أن تمارس الضغوط على أميركا و«إسرائيل» بطريقة جدية، ولو على مستوى سحب السفراء والممثلين للعدو، أم أنهم لا يجرأون حتى على هذه الخطوة التي يعتبرونها مخيفة لأنها قد تحمّلهم بعض التبعات من هنا وهناك؟

إننا نلاحظ أن الجامعة لم تستطع أن تتدخل تدخلاً فاعلاً في العراق والسودان والصومال وفلسطين ولبنان، بل أصبحت أميركا وحلفاؤها هم الذين يسعون إلى فرض إرادته على الشعوب العربية، كما في الحرب التي تشنها الإدارة الأميركية على لبنان وفلسطين تحت عنوان تأكيد المصلحة اللبنانية والفلسطينية، فيما هي تستهدف فعلياً تدمير هذه المصلحة لحساب الهيمنة الإسرائيلية على لبنان وفلسطين.

ويبقى السؤال: ما الحاجة إلى بقاء الجامعة التي تحولت إلى شاهد زور، وإلى حائط مبكى لا يستطيع أن يمنع الفيتو الأميركي ضد أي قرار يهدف إلى حماية أطفال غزة ونسائها وشيوخها وكل المدنيين! ويبقى السؤال يفرض نفسه في هذه اللحظات المصيرية: لماذا كل هذه الجيوش؟ وما نفع كل هذه الأسلحة؟ وهل بقي هناك عالم عربي يجمع العرب على قضايا المصير؟ أم أن القطرية والإقليمية ستبقى هي الطابع للعلاقات بين العرب؟ وهو ما سيؤثر سلباً على حاضرهم ومستقبلهم!

وفي نهاية المطاف نقول: لقد أثبتت الحوادث أن المقاومة هي جامعة الشعوب العربية؛ لأنها سر القوة والعنفوان، وليست جامعة الأنظمة العربية، التي نريد لها أن تنسجم مع شعوبها، لا مع السياسة الأميركية التي أصبحت تتحرّك في خلفيات أكثر القرارات العربية

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً