العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ

هل بوسع «إسرائيل» العيش إذا مارست دور «رامبو»؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

موقف الحكومة الألمانية من العدوان الإسرائيلي على لبنان لم يتغير بعد، وقد لا يتغير.

منذ بداية رد الفعل العسكري الإسرائيلي غير المتكافئ والذي أثار استغراب المراقبين والمحللين الدوليين، اختارت المستشارة الألمانية وزعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل التزام الصمت، مشيرة إلى أن عقدة الذنب الألمانية والمسئولية الخاصة تجاه «إسرائيل» لا تسمح للألمان أن يوجهوا انتقادات لـ «إسرائيل». ثم خرجت أصوات إسرائيلية مثل سفير «إسرائيل» السابق في ألمانيا أفي بريمور والسفير الحالي شيمعون شتاين لا للدفاع عن جرائم «إسرائيل» فحسب بل لمحاولة التأثير على الرأي العام الألماني كي يؤيد عربدة «إسرائيل» في لبنان، بقليل من الحظ.

كل يوم تزداد فيه صور قتل المدنيين والدمار في لبنان، تزداد نقمة الرأي العام الألماني على ممارسات «إسرائيل». ستة آلاف من الرعايا الألمان غالبيتهم من أصول لبنانية وفلسطينية عادوا لألمانيا هربا من الحرب بعد تدخل الحكومة الألمانية لدى «إسرائيل» لتأمين رحيلهم عن لبنان بواسطة البحر إلى قبرص أو البر عبر دمشق. كما تظاهرت الجالية اللبنانية في مختلف مدن ألمانيا منددة بالعدوان الإسرائيلي وفي مستشفيات مختلفة يخضع لبنانيون للعلاج الطبي والنفسي من العدوان. ستة آلاف من الرعايا الألمان، دمرت «إسرائيل» ممتلكاتهم، وهو يرون مثل العالم أن «إسرائيل» تخرق القوانين الدولية ولا تعبأ لا للأمم المتحدة ولا للمجتمع الدولي كما أنها لا تقوم وحيدة بالعدوان بل بمساعدة سياسية وعسكرية من ربيبتها الولايات المتحدة. هذا العدد الكبير من الذين عاشوا أسوأ صيف في حياتهم، يحكون عن تجاربهم وقصص القتل والدمار التي ألحقتها «إسرائيل» في لبنان ومازالت متعطشة للمزيد من دماء المدنيين اللبنانيين. لعل هذا من أبرز ما يقلق السياسيين في ألمانيا. وتدرس الحكومة المحلية في ولاية برلين منع رفع صور الأمين العام لحزب الله ويافطات (لافتات) مناهضة لـ «إسرائيل» وأخرى كتب عليها: بوش الإرهابي رقم واحد... يقود الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين حملة مناهضة لحزب الله. أحد نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كولبوف، عبر عن قلقه حين أبلغ السفير الإسرائيلي في برلين أن هؤلاء المواطنين سينقلون لمعارفهم الألمان قصص العدوان. بعبارة أصح، انهم سيحكون ما لا تشير إليه وسائل الإعلام الألمانية التي تحبذ «إسرائيل» لو تتوقف عن الإشارة للعدوان الإسرائيلي وهذا ما يحصل الآن. أخبار العدوان لم تعد تتصدر النشرات الإخبارية ومواقعها على الإنترنت. موقع Tagesschau.de على سبيل المثال التابع للقناة الأولى للتلفزيون الألماني نشر أخبار العدوان الذي كلف حتى اليوم أكثر من 800 قتيل من المدنيين في لبنان، في أسفل الصفحة التي استهلها بأخبار عن التغيير في القيادة من كاسترو إلى كاسترو، ثم أخبار العاطلين عن العمل في ألمانيا، ومشكلات وزيرة الصحة. الهدف أن تصبح أخبار الحرب ثانوية والهدف السياسي أن تفلح «إسرائيل» في تنفيذ خطتها العسكرية في لبنان. وقد صدرت من برلين تصريحات متشابهة نسبيا مع ما صدر في واشنطن. تقف برلين إلى جانب واشنطن ولندن وكما قال مسئول ألماني رفض أن ينشر اسمه خوفا من انتقام اللوبي اليهودي في ألمانيا: ليس سهلاً أبداً أن يكون المرء صديقاً لـ «إسرائيل».

مساء السبت الماضي ظهرت القسيسة البرلينية بارباره مانترفيلد فورميت على القناة الأولى للتلفزيون لتلقي (كلمة الأحد) التي يلقيها عادة رجل دين مسيحي، فألمانيا دولة مسيحية، الإسلام فيها يحتل المرتبة الثالثة. جاء في كلمتها جملة استفزازية: إرهاب على الأرض المقدسة (أي «إسرائيل») يقابلها قنابل على لبنان. لدى الاتصال بها للومها على نسب الإرهاب للعرب اعترفت أنها كألمانية مسيحية مجبرة على اختيار كلماتها بحذر شديد. رسالة عاجلة وجهها كاتب هذا التقرير للمستشارة الألمانية ميركل، لفت فيها نظر رئيسة الحكومة الألمانية إلى مقتل 37 طفلا في مجزرة قانا، وأن عمر العدوان زاد عن أسبوعين وطلب تدخله. غير أن الرسالة إلى ميركل ظلت بلا جواب.

تحاول وسائل الإعلام عبثا كسب تأييد الألمان للحرب. ويحصل الإسرائيليون في (كارت بلانش) للبرامج التلفزيونية والصحف عدا عن دفاعها عنهم كما تفعل هذه الأيام صحيفة «بيلد» الشعبية ومجلة «دير شبيغل» وصحيفة «دي فيلت» وكتّاب في صحف أخرى رفعوا شعار: «إسرائيل» فوق كل شيء. ونشرت «دير شبيغل» على صفحة الغلاف قبل أسبوع: هل تستطيع «إسرائيل» مواصلة العيش هكذا. فوق العبارة صورة فتاة إسرائيلية في حيفا تطل من مبنى أصابه صاروخ لحزب الله. لكن داخل المجلة تم تصوير «إسرائيل» أنها دولة ضعيفة محاطة بالأعداء العرب. وكتب البروفيسور فيليز إدموندسون من الخليل للمجلة المذكورة يقول: سعدت كثيراً حين قرأت العبارة على الغلاف لكن في الداخل جرى الحديث عن دولة «إسرائيل» الضعيفة وتجاهلتم أنها بين ثماني دول نووية في العالم وأن الولايات المتحدة تزودها بالأسلحة باستمرار، فبأي عالم تعيشون؟ وبعث لوتز كروجسوكوبفي من مدينة إيرفورت بألمانيا الشرقية يتنبأ بأن نزاع الشرق الأوسط سيواكب الغرب سنوات طويلة وليس هناك نهاية للنزاع طالما تلعب «إسرائيل» دور رامبو وهذا لا يساعد في تحقيق السلام بل يزيد عدد المؤيدين لحماس وحزب الله ورأى أنه على الدوام لن يمكن لـ «إسرائيل» العيش بسلام في المنطقة. الظهور العربي في وسائل الإعلام الألمانية يكاد أن يكون منعدماً ويعود ذلك لعدم رغبة الإعلام الألماني سماع صوت ينوب عن ما لا صوت لهم. يوم الثلثاء الماضي اكتشف الكاتب بيتر بليشايد أن نفوذ ألمانيا السياسي متواضع في منطقة الشرق الأوسط، ودافع عن مبدأ ميركل وموقف وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير الذي كلف مبعوثين إلى دمشق ليبلغا الحكومة السورية استعداد ألمانيا لمكافأتها إذا لعبت دورا بنّاءً في عملية السلام. كشف شتاينماير في حديث نشر في برلين يوم الثلثاء أن برلين ستعمل مقابل هذا الدور في تنفيذ اتفاق تم التفاوض منذ أمد بشأنه عن تعاون اقتصادي وإنمائي بين سورية والاتحاد الأوروبي. كما عرض وزير الخارجية الألماني على الرئيس بشار الأسد مساعدته في إصلاحات اقتصادية. قال شتاينماير إن سورية سيكون لها شأن مهم في مشروع التسوية في لبنان والشرق الأوسط. لكن المسئول الألماني لم يكن ليرسل هذا العرض مجاناً: في المقابل طلب من دمشق أن تختار بين استمرار مساندتها لطهران وكان واضحا أنه يرمي إلى إحداث شرخ في التحالف السوري الإيراني. بحسب رأي الكاتب بليشايد فإن المقترحات التي تقدمها ألمانيا، خلافا لوجود بريطانيا وفرنسا إذ لكل طرف مصالح في العالم العربي، ليس هناك مصالح لألمانيا. السؤالان المهمان اللذان طرحهما بليشايد: هل يحق للألمان انتقاد «إسرائيل»؟ وهل يمكن إرسال جنود ألمان في مهمة سلام دولية إلى الشرق الأوسط؟

على الصعيد الشعبي كما أوضحت عملية استطلاع نشرت في برلين يوم الاثنين الماضي كشفت أن 53 في المئة من الألمان يرفضون المبدأ الذي رفعته ميركل حين بدأت «إسرائيل» العدوان على لبنان، وأنه على ألمانيا التزام الحياد بسبب عقدة الذنب. أيد مبدأ ميركل 41 في المئة. جرت عملية الاستفتاء قبل مجزرة قانا. يعتقد أن عدد معارضي ميركل أكثر زاد بعد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي مواصلة العدوان حتى تحقق «إسرائيل» أهدافها بإضعاف حزب الله والقضاء على قيادة حزب الله وزعيمه الشيخ حسن نصرالله. لكن كل يوم تزيد «إسرائيل» مشكلات الحلفاء في الغرب وسكوتهم على جرائم الحرب التي تقوم بها الدولة العبرية في لبنان. ويقول الأمين العام في المجلس المركزي ليهود ألمانيا شتيفان كرامر في تصريح لصحيفة «زود دويتشه»: كل يوم يصلنا نحو 200 رسالة إلكترونية تندد بـ «إسرائيل». أصحاب هذه الرسائل من جماعات الطلبة الألمان ومواطنين عاديين. وكان غالبية مواطني ألمانيا الغربية يؤيدون «إسرائيل» حتى حرب الـ 67. بعد احتلال «إسرائيل» الضفة الغربية والقدس الشرقية تحرك التيار اليساري وبدأ يؤيد زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. 70 في المئة من الألمان يعتبرون اليوم «إسرائيل» دولة معتدية. في بداية الحرب الإسرائيلية في لبنان نشر المجلس المركزي ليهود ألمانيا إعلانا في أكبر الصحف الألمانية دعا فيه إلى مساندة «إسرائيل» ودافع عن عملياتها الإرهابية في لبنان. رد ممثلون عن الكنيسة الإنجيلية الألمانية في لبنان بإعلان في الصحف نفسها والصفحات نفسها يطالبون المستشارة ميركل بوضع نهاية لجرائم «إسرائيل» وقالوا إن «إسرائيل» ترتكب جرائم حرب في لبنان. لم تكن هذه المرة الأولى التي يساند فيها المجلس المركزي ليهود ألمانيا «إسرائيل» فقد دأب على دور الذراع الطويلة لـ «إسرائيل» وحين بدأت حرب ضد حماس في غزة نشر المجلس إعلانا مشابها قال فيه إنه يقف لجانب «إسرائيل». لكن المجلس المركزي ليهود ألمانيا لا يتحدث باسم جميع اليهود. فقد طالب الفرع الألماني لمنظمة (الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط) أن يفرض المجتمع الدولي عقوبات على «إسرائيل» لردعها والضغط عليها كي تتراجع إلى داخل حدودها. وقالت عضو المنظمة جوديث برينشتاين إن سياسة القمع التي مارستها «إسرائيل» خلال السنوات الماضية ضد حماس وحزب الله أدت إلى فوز تقوية الطرفين وقالت: من الوهم أن تعتقد «إسرائيل» أنه بوسعها القضاء على حماس وحزب الله.

مراسل «الوسط» من برلين

العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً