الحرب الإسرائيلية على لبنان والحرب التي تفكر تركيا بإعلانها على الأكراد خيبتا ظن المؤرخ الأميركي برنارد لويس، الذي يقول في كتابه «مستقبل الشرق الأوسط» الصادرة ترجمته عن دار الريس (لبنان) قبل سنوات، إن في الشرق الأوسط توجد دولتان ديمقراطيتان هما تركيا و«إسرائيل»، لأنهما دولتان علمانيتان، وفي كل منهما توجد انتخابات وبرلمان... إلخ، لكن ما لم يتوقعه لويس ان يأتي يوم ستشعل هاتان الدولتان الحرب على أبناء المنطقة بدلاً من قيامهما بانعاش المنطقة والمساهمة في خلق استقرار فيها.
ربما في اعتقاد هاتين الدولتين أن الطريق إلى الديمقراطية يمر بساحة الحرب، يكون هذا صحيحاً في المخيلة التي لا تشبع من الحروب. تركيا تقاتل الأكراد منذ قرون، و«إسرائيل» تشن هذه المرة الحرب السابعة على لبنان.
إنه أمر غريب يحدث في هذا الزمن، النفاق واضح، والكل يبدي حرصه على الاستقرار في المنطقة، والكل يساهم في عدم الاستقرار، الكل يطلب السلام للبنانيين ولكنهم فعليا يتهربون من مسئولياتهم تجاه ما يحصل في أراضيهم. وربما بعد أيام ستطبق هذه الأخلاق عندما تشن تركيا حربها على الأراضي الكردية. وبالمناسبة نسأل وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس: هل تصفية حزب العمال الكردستاني هي أيضاً ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ على كل حال، أكراد العراق يحاولون جاهدين ألا تقع الحرب عليهم لأنهم شبعوا منها، وهم في هذه الأيام يجتمعون مع قادة حزب العمال الكردستاني لإقناعهم بالرحيل من جبال قنديل، وهو ما سيحدث لأنه أصبح لدى الأكراد، كل الأكراد، قناعة بأن الحفاظ على مكتسبات أكراد العراق هو من مسئولية جميع الأكراد، والأكراد يجتمعون اليوم على صيغة واحدة مفادها انه «يجب ألا نقدم الحجج لتركيا لتأخذها ذريعة لفشل مشروع الفيدرالية، ليست فقط الفيدرالية الكردية بل الشيعية في الجنوب، وربما ثقافة الفيدرالية كلها. وإذا لم يخب الظن فإن تركيا - الدولة «الديمقراطية» الوحيدة بحسب برنارد لويس - تتحسس من الفيدرالية، ونحن نعلم، بل يعلم كل الحقوقيين والقانونيين ان الفيدرالية لا تتم إلا من خلال الديمقراطية، فأية ديمقراطية هذه التي يتم بناؤها في بيئة لا استقرار فيها؟ هل ديمقراطية الدولتين، «إسرائيل» وتركيا، تفرضان عليهما أن يشن أحدهما (إسرائيل) حروباً مجنونة على الأبرياء في لبنان، ولتقوم تركيا بقيادة القوات الدولية التي تحمي لبنان من غزو «إسرائيل»؟ مع انني لا أتدخل في هذا الأمر، لأن القبول والرفض هو مسألة لبنانية تعود للحكومة اللبنانية. وسبق أن أعلن وزير الخارجية التركي عبدالله غول رسمياً أن تركيا على استعداد للمشاركة في قوات دولية لحفظ السلام في لبنان. طبعاً، تركيا وافقت بعدما وافقت واشنطن على شرطها على أن تقوم هي (واشنطن) بمحاصرة ومقاتلة العمال الكردستاني في كردستان العراق، ولا يخفى على أحد المساومات المستمرة بين أنقرة وواشنطن في موضوع القوات الدولية والعمال الكردستاني في العراق، وتحدث الإعلام التركي عن المشاركة في هذه القوات مقابل موقف أميركي عملي ضد عناصر حزب العمال الكردستاني التركي الموجودين في كردستان العراق. بقي القول إن الدولة التي تريد نشر الديمقراطية يجب أولاً أن تبحث عن حلول سلمية تقوم على الحوار، ولا يمكن أن تبنى الديمقراطية على دمار الحروب، فالحرب مكروهة دائماً وتحت أية حجة كانت، وخصوصاً عندما تكون هناك طرق أخرى لحل المشكلات، وكان على برنارد لويس أن يغير كتابه عن «مستقبل الشرق الأوسط»، لأن الدولتين اللتين أشاد بأنهما ديمقراطيتان، هما اليوم تشنان الحرب وتقتلان الشعوب
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ