العدد 1425 - الإثنين 31 يوليو 2006م الموافق 05 رجب 1427هـ

احسبوني ولا تنسوني

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

لا أعرف عما إذا كان كثيرون يتعرفون على معنى العنوان (احسبوني ولا تنسوني) وهو يعني بالعربي الفصيح أنني هنا لا يجب أن ينساني أحد فاذكروني، ربما هو ما تحاول الدولة السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تقوله للعالم تجاه تطور ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، انطلاقاً من لبنان المنكوب. كل من تابع الحرب الإعلامية المصاحبة للحرب العسكرية في لبنان يستطيع أن يعرف أن لسان حال دمشق وطهران يقول إننا هنا، ولا يجب لأحد أن يفكر في أن باستطاعته وحده أن يقدم حلاً شافياً لما يحدث من دون أن يأخذ رغبتنا وموقفنا في الاعتبار.

تكون مصادفة في هذا اليوم أن نقارن على سبيل المثال موقف الدولتين (السورية والإيرانية) مع حدث برز على العالم في مثل هذا اليوم قبل ستة عشر عاماً بالتمام، وأعني به طبعاً احتلال النظام العراقي السابق للكويت. وقتها فوجئ العالم بما فوجئ به، وانقسم أيضاً بين مؤيد أو قابل للفعل الشنيع أو متناس، وبين معارض. فماذا كان موقف الدولتين السورية والإيرانية وقتها؟

إيران لم تتردد تحت قيادة حكومة السيدهاشمي رفسنجاني (على رغم المرارة التي تحملتها إيران من الولايات المتحدة التي كانت تشعر بها حكومة الثورة الإيرانية في طهران) في أن تقدم كل العون السياسي على الصعيد الدولي وعلى الصعيد الإقليمي إلى جهود تحرير الكويت من قبضة الدكتاتور. كان الموقف السياسي الإيراني أكبر من المتوقع، كما كانت لعبتها السياسية وقتها في قمة الذكاء السياسي والحيطة الاستراتيجية. لم تستجب لكل إغراءات النظام العراقي الذي يذبح نفسه وقتها في بغداد، فمن أجل دغدغة الشعور الإيراني التاريخي، عرضت بغداد على طهران الاصطفاف معها في مقابل أن تعترف العراق بهيمنة كاملة لطهران على الخليج، فلم تذعن لتلك الإغراءات. حاولت بغداد أن تستفز طهران بتذكيرها بعدائها لواشنطن فلم تستجب، بل أرسلت بغداد إلى طهران طائراتها الحربية وبعض الطائرات المدنية (من دون استشارة) كي تحتمي هناك، فأعلن ذلك على الملأ، واتخذ قرار بعدم إعادتها من جديد. موقف طهران من ذلك الحدث التاريخي تكرر إبان الحرب في الجارة الشرقية أفغانستان، فقد تكرر الوقوف على الحياد لمعرفة حقة بأن ما يحدث هو تصحيح تاريخي لأعمال سياسية غير منطقية أو مقبولة. هذه المواقف لعدد من الأسباب لم تتوافر لطهران اليوم.

وفي المقابل، كان موقف دمشق إبان احتلال الكويت، فبعد عدد من الرسائل التحذيرية التي طارت من دمشق إلى بغداد، وتبين بعدها أنه لا يوجد عقل بين أذني رئيس العراق (الذي يحاكم اليوم) قررت دمشق أن تنضم إلى قافلة عربية ومعسكر عربي، دولي عقلاني، إذ وجدت دمشق أن ذلك الاعتداء على الكويت يؤسس - إن لم يردع - لمرحلة فوضى ضاربة في المنطقة كلها.

وفي لقاء طويل مع حافظ الأسد بعد أن انجلت الغمة شرح أسباب دمشق لاتخاذ ذلك الموقف الذي بد صعباً من المنظور الدمشقي وقتها، المؤسس على خطاب مثالي، إلا انه اتخذ عكس ما توقع منه وتشبث بالعقلانية الواقعية. بعد ذلك اللقاء لخص، المستشار الصحافي للرئيس الأسد جبران كورية لسامعيه، وكان كاتب هذه السطور من بينهم، أن الأميركان كانوا يرغبون في «التقويس»، أي إطلاق النار، على كل من صدام حسين وحافظ الأسد معاً، فوجدوا أن الأسد خلفهم!

في تاريخ العمل السياسي المعاصر كان موقف سورية وقتها ضربة معلم حقيقية. استطاعت سورية بعدها أن تضع يدها على أكثر الملفات تعقيداً في المنطقة، كشريك كبير وعضو محترم، عندما يقرر فإنه يفي بقراراته، وأصبحت مصالح سورية تؤخذ في الاعتبار، قاد كل ذلك إلى ما أصبح تاريخاً اليوم يعرف بمفاوضات «وايت ريفرز» المعروفة، ثم انتكس الأمر بعد ذلك إلى ما نتركه للمؤرخين للفصل فيه.

الموقفان، موقف طهران وموقف دمشق، قبل 16 عاماً اختلفا هذه المرة اختلافاً جذرياً، فقرر الطرفان أن يأخذا موقف المؤيد للالتحام بين حزب الله في لبنان و«إسرائيل»، من دون حساب دقيق للتوقيت والمتغيرات الدولية. والأخطر من دون معرفة دقيقة لما يمكن أن ينتهي إليه هذا الالتحام من نتائج تكون مضرة بمصالحهما.

في الموقفين إن أردنا المقارنة فإن المكاسب في الأول تفوق المكاسب في الثاني، بل إن الخسارة في الثاني واضحة المعالم. فمؤتمر روما لم تدع إليه أي من الأطراف المتحالفة ظاهراً أو باطنا مع حزب الله، وعدا التنويه الذي نطق به كوفي عنان في أكثر من موقف، بضرورة وجود دمشق، لم تعط الدول الكبرى أي التفات إلى تلك الأطراف، حتى بلد مثل فرنسا كانت في كفة ميزان الفهم لظروف البلدين ضربت صفحاً بعيداً عن الحديث لمشاركة أي من دمشق أو طهران في أية مشاورات.

ماذا لو تم العكس؟ (وهو سيناريو متخيل) لو حدث أن وقفت دمشق أولاً وبعدها طهران ثانياً موقف المهدئ، كون العاصمتين تعرفان أن انتصاراً عسكرياً لا يكون قريب المنال في اشتباك كمثل القائم حالياً في لبنان وحساب دقيق لموازين القوى المحلية والدولية. وقتها يمكن للاعبين منفردين أو مجتمعين دخول حلبة اللعب السياسي من أوسع أبوابها، الأمر الذي يقود إلى تخفيف حدة العزلة الدولية حولهما، والظهور بمظهر الراغب في حصر الصراع وتخفيف الدمار بحثاً عن حلول سياسية توفر على لبنان والمنطقة بأسرها كل هذا الكم من الآلام الإنسانية الفظيعة، التي تتمثل فيما يشاهد على شاشات التلفاز. لو حدث ذلك لتقدم الملفان السوري والإيراني مسافة إيجابية على الساحة الدولية.

قد يرى البعض أن الولايات المتحدة ليست راغبة ولا محبذة لدخول اللاعبين (طهران ودمشق) في الحلبة السياسية، لكن كان بمقدورهما أن يدخلا من خلال الوسيط العربي، وخصوصاً القاهرة والرياض الذي يربطهما بكل من دمشق وطهران على التوالي وآد معروف. في حال وقوع مثل ذلك السيناريو فإن قضايا دمشق وطهران المعلقة قد تجد لها آذاناً صاغية على المستوى الدولي. إلا أن من المؤسف أن مساراً آخر اتخذ في اتجاه التصعيد وخوض حرب بالإنابة على الأرض اللبنانية، وهي حرب مع دخول الظواهري على الخط، تبدو أنها تجمع كثيراً من القوى الدولية ضدها.

من المبكر الحديث عما ستؤول إليه الحرب في لبنان، وعن نتائجها على العاصمتين المعارضتين طهران ودمشق، إلا أن السؤال الذي لابد أن يطرح هو: هل يمكن التوافق بين «الواقعية» و«المثالية» في العمل السياسي المحلي أو الدولي؟ لقد جربت الكثير من الدول المثالية فعادت بخفي حنين، وجربت العاصمتان دمشق وطهران الواقعية السياسية قبل 16 عاماً فعادت عليهما بخير عميم

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1425 - الإثنين 31 يوليو 2006م الموافق 05 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً