الخارجية الأميركية والتي باركت العدوان أولاً، وانتقدته على خجل «سياسي» بعد «قانا 2»، تمر في أكثر مرا
الآنسة «كوندوليزا»، والإدارة الأميركية من ورائها لا تدركان حساسية الوضع الإقليمي في المنطقة، وان الشارع العربي في عديد المناطق قد تخلص من عقدة التظاهر والشجب والاستنكار، وانه لجأ أخيراً إلى العمل العسكري المباشر ولو كان القانون الدولي يعتبر هذا التوجه «إرهاباً» أو أي شيء آخر.
الشعوب العربية باتت تؤمن بأن لا فائدة من أي حراك دبلوماسي أو سياسي، والوضع الإقليمي المضطرب كان يتطلب سياسة احتواء للوضع، لا سياسة تصعيد، سواء من الجانب الإسرائيلي تجاه فلسطين ولبنان، أو عبر الاهتمام بعنجهيات «القائد الأسطوري» نجاد، الذي ضعف نجمه وغابت تصريحاته بعد بداية العمليات العسكرية في لبنان.
الوضع الإقليمي لم يكن في حاجة إلى «قانا» ثانية، العراق المضطرب لم يكن بحاجة لهذه الحرب الإسرائيلية على لبنان، والقاعدة التي بدأت تلوح بتصدير إرهابها للبنان لا يمكن أن تكون بذلك قد حققت إنجازاً للخارجية الأميركية، جميع دلالات المرحلة تصب في أن الولايات المتحدة الأميركية تسير في نفق مظلم، لا آمان فيه للكبار، فضلاً عن الأطفال.
لن تضمن «قانا 2» أمن «إسرائيل»، ولن تردع طهران عن طموحاتها النووية، ولن تجعل السلم الأهلي في العراق، الإسرائيليون أنفسهم يدركون ذلك، فلم كانت هذه الحرب على لبنان؟ ولم كان هذا الدمار؟ ولم تستباح «قانا» مرتين؟
الشعوب العربية قاربت على الكفر بهذه الدبلوماسية الأميركية، وشتى الأقطار تشتكي حماقات كوندوليزا وبرودة دمها المجنونة، وما كان لكوندوليزا أن تستمر في هذه الصفاقة السياسية إلا بحافز من محور الحرب في داخل الإدارة الأميركية (تشيني، رامسفيلد)، بات جلياً أن عقول السبعينات والثمانينات في الإدارة الأميركية لا تدرك في حقيقة الحال ما يجري في العام 2006.
ليست «قانا 2» ما سيضمن للأميركيين شرق أوسط جديد، وليست «قانا 2» تحديداً - في المكان - ما يشق الوحدة اللبنانية، بل على العكس، «قانا 2» بوتقت الآراء اللبنانية في فضاء المقاومة، وجعلت انتصار حزب الله في معركته على «إسرائيل» نصراً لبنانياً بامتياز.
الخارجية الأميركية وبعد هذه المرحلة من التخبطات السياسية تحتاج إلى هدوء نسبي، فالأيام الأخيرة حملت الكثير من المفرزات الجديدة إلى الساحة، وفق توازنات سياسية جديدة لم تكن موجودة من قبل. حزب الله اليوم لم يعد مجرد «حزب مسلح»، وعلى الساحة اللبنانية - بشتى فاعليها السياسيين - أن تتعامل مع هذا الوضع الجديد شاء من شاء، واعترض من اعترض.
لابد أن تكون قراءة الأميركيين للمنطقة أكثر واقعية، وأن تبتعد عن دبلوماسية الشعارات الجديدة لمهندسة الفشل الأميركي «كوندوليزا»، وعلى البيت الأبيض أن يقرأ «حزب الله» بطريقة مغايرة. كما ظهر لهم حزب الله في الأسابيع الماضية بشكل مختلف
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1425 - الإثنين 31 يوليو 2006م الموافق 05 رجب 1427هـ