العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ

رب ضارة نافعة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اكتسب النظام المصرفي السويسري مكانته المرموقة في أسواق الأعمال والاستثمار من جراء مستوى ودرجة السرية التي كانت تتمتع بها ملفات الزبائن في المصارف السويسرية. فمنذ قرابة القرن، دأبت المصارف السويسرية على استخدام نظام الأرقام للدلالة على حساب مصرفي لديها إذا رغب صاحبه، لسبب أو لآخر، إخفاء اسمه لدى المصرف أو المؤسسة المالية. وقد استغل الكثيرون هذا الإمكان سواء من الضالعين في عمليات غسل الأموال المشبوهة أو الحكام والمسئولين وذوي المناصب الرسمية الرفيعة في مختلف دول العالم، وغالبيتهم من البلدان النامية والفقيرة، ونسبة عالية منهم في بلداننا العربية، لتهريب ثروات بلادهم إلى الخارج، آمنين بأن أحدا لن يكتشف هويتهم، متسترين وراء سرية الحسابات المصرفية السويسرية التي أشبه ما تكون بالحصن المنيع الذي لا يمكن اختراقه.

وطبقا للفقرة الجديدة من قانون مكافحة غسل الأموال، وابتداء من أول يوليو/ تموز الجاري ستحمل حسابات الأرقام أسماء أصحابها الحقيقيين، عند تحويل أية مبالغ من أو إلى الحساب، وفي حال رفض أحد الطرفين، المصرف المحول منه أو إليه الإفصاح عن هوية صاحب الحساب، فيجب على الطرف الآخر رفض إجراء العملية المصرفية.

ولا يعني هذا الإجراء رفع السرية المصرفية عن صاحب الحساب، إذ سيحافظ على خصوصيته، ولكن بنوع من «الشفافية» في التعاملات على الأقل بين المؤسسات المالية نفسها، لتتخذ هي بنفسها الإجراء القانوني المناسب إذا اشتبهت في تحركات غير مشروعة أو مشبوهة، سواء فيما يتعلق بمصدر تلك الأموال أو في الجهة المحولة إليها.

وقد حرصت المصارف السويسرية على توضيح هذه النقطة بشكل دقيق وعلى نطاق واسع لجميع عملائها من مستخدمي الأرقام بدل الأسماء في التعاملات المصرفية، حرصا منها على عدم النظر إلى هذا النظام الجديد على انه إفشاء تدريجي للسرية المصرفية.

الملفت للنظر أنه على رغم ان هذه الخطوة قد سدت ثغرة كان يشكو منها النظام المصرفي السويسري، كان محترفو غسل الأموال والمتهربون من الضرائب يتسللون منها، فإن خبراء المصارف لا تضيق عليهم الحيل لفتح أخريات بشكل مختلف، فعلى سبيل المثال تلجأ بعض المؤسسات المالية السويسرية لفتح فروع لها في الجزر التي يطلق عليها اسم «الواحات الضريبية» وهو ما يشكل عامل جذب آخر لأصحاب الثروات.

المؤكد أن هذه الخطوة الجديدة ترفع من أسهم سويسرا داخل الاتحاد الأوروبي وفي عالم المال والاقتصاد بصفة عامة كدليل على حسن النية في حربها ضد بعض أنواع الجرائم الاقتصادية واستغلال ساحتها المالية في غسل الأموال، كما أنها تخفف في الوقت نفسه من الضغوط المفروضة عليها من الاتحاد الاوروبي في هذا الملف تحديدا، وقد تزيح تدريجيا ما اشتهرت به مصارفها من أنها ملاذ للمحتالين والمتهربين.

ربما جاءت تلك الخطوة في سياق ما أصبح يطلق عليه «محاربة الإرهاب» والذي مس مصالح الكثير من الأبرياء، لكن هذه الخطوة قد تلجم سرقات أموال وثروات الدول النامية ومن بينها البلدان العربية. وهنا يصح القول رب ضارة نافعة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً