العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ

ذريعة الهجوم على لبنان تخفي فاجعة مرعبة

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

إن أولئك الانهزاميين من بعض الحكام العرب، الذين يحكمون شعوبهم ويتخذون قراراتهم المصيرية في الشئون العربية الاستراتيجية وهم قابعون في الأحضان الأميركية يرضعون من أثدائها الأوامر والنواهي، ممن أثبتوا هذه الحقيقة بصورة لا تقبل التشكيك، وبصموا من دون حياء على تبرير أميركا للهجوم البربري الصهيوني على لبنان أن لـ «إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها.

إن أولئك الذين صدقوا بمنتهى السذاجة والغباء، أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان سببه أسر حزب الله الجنديين الإسرائيليين، وراحوا ينسجون حججهم وتبريراتهم ليغطوا على عبوديتهم على هذا المنوال، ذي المنطق والتخطيط الأميركي والانحياز لـ «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، هؤلاء إنما بهذا التصرف والعبث سجلوا على أنفسهم صك الغباء، وضحالة التفكير وعدم أهليتهم لتصدر الحكم وتشكيل حكومات شعبية، لأن هذا النموذج من حكام ليس بينهم وبين شعوبهم خيط موصول أو طريق مسلوك فهم يحكمون شعوبهم وهم مُحتضنَون في أحضان أميركا، بعيدون عن شرف أحضان الشعوب، لكي يصيروا من هذا الوضع تيجاناً متلألئة على هامات شعوبهم.

ذلك أن مثل هذه الفئات البشرية الملتمة حول نفسها والمطعونة بنواقصها والممتحنة بجهلها وسذاجتها، هم ممن يفتقدون الشخصية المؤهلة القادرة على الإحاطة بأعماق ودقائق الحوادث التاريخية التي تحصن الملم والمحيط بها وتكشف أمامه بأوضح المرئيات... ان الصهيونية السياسية قد ضحت من دون ضمير أو أخلاق بمئات الألوف من فقراء اليهود ومعدميهم، ومن كبار السن والعجزة وحتى الأطفال والنساء، ودفعوا بهم ثمناً للعلاقات المتميزة والخيانية للحلفاء مع النازية الهتلرية، التي أبدت استعدادها لمساعدة الصهيونية على تحقيق مخططاتها من أجل إقامة دولة يهودية صهيونية، تنفيذاً لما جاء به حكماء صهيون في بروتوكولاتهم، التي ما ان كشفها وأشاعها صاحب مصانع سيارات فورد، هنري فورد في كتابه «اليهودي العالمي» - الخطر الذي يهدد العالم - إذ استغله كتاب العالم العربي في فضح النوايا والمخططات الإسرائيلية الصهيونية، حتى تصدى أحد عبيد «إسرائيل» من الرؤساء الأميركان ليكذبه وتحركت على إثره آلة الإعلام الأميركي بهدف التضليل والتعمية والتمويه والتستر عليه... ومن أسف أن انجرّ وصدّق الدعاية الأميركية بعض كتاب لدينا لهم ثقلهم، وراحوا يكتبون بعمى وبإنشائيات بليدة وسخّروا الكثير من أعمدتهم لمساندة الدعاية الأميركية خصوصاً لـ «إسرائيل»، حتى ولم يطلعوا على تلك البروتوكولات أو يكلّفوا أنفسهم عناء قراءتها أو حتى قراءة بعضها، ليأتوا بدليل يبرر عدم صحتها، سوى ما اعتمدوا عليه واكتفوا به كدليل لا تنفصم عراه هو تكذيب أميركا للبروتوكولات؟!

وفيما يرتبط بالهجوم الإسرائيلي على لبنان بحجة الأسيرين اللذين أسرهما حزب الله، وسارعت بعض حكومات عربية إلى إدانة حزب الله وهم مكبلون في زنزانات الأحضان الأميركية، أولئك الملوك والرؤساء، نقول لهم: هل اطلعوا على حوادث التاريخ فيما جرى من مساومات بين مندوب الصهيونية المسمى «بارغيلاد»، آيخمان الذي اختطفته المباحث الإسرائيلية من الأرجنتين إلى «إسرائيل» إذ أُعدم بعد محاكمة صورية، ولُفقت ضده الاعترافات التي لا أساس لها من الصحة، كل ذلك لكي تخفي الصهيونية دور آيخمان الكبير في تأسيس دولة ما يسمى بـ «إسرائيل»، وبالتالي دور النازية الهتلرية في هذا التأسيس لكيلا تهتز كذبة الستة ملايين ضحية من اليهود على يد النازية فيما أطلق عليه بالمحرقة (الهولوكوست)، خلافاً للحقيقة المضخمة التي لا تتعدى كونها مجرد إعدامات طالت بضعة آلاف من اليهود في سلسلة الإعدامات التي نفذتها النازية ضد الكثير من مختلف شعوب العالم التي أوقعها سوء طالعها تحت الاحتلال النازي، والتي كان للصهيونية دور بارز فيها ويد طولى، والذي سنأتي على شرحه بالتفصيل فيما سنسجله في رقعة هذا المقال، ولتحريك وتنشيط وحفز ذاكرة القارئ الكريم نرى الضرورة تفرض علينا أن نؤكد أن ما جرى للأسرى اليهود في المعتقلات النازية، لا يختلف عما قام به الجيش الإسرائيلي ضد الأسرى المصريين من إبادات بعد حرب 1967، تأكيداً على أن النازية والصهيونية وجهان لعملة واحدة، على أن قضية الإبادات الصهيونية التي نفذها الجيش الإسرائيلي الصهيوني قد أُثيرت لمدة لا تزيد على ثلاثة أسابيع أو ربما شهر، ثم أُسدل الستار عليها، وتم رفع ملفاتها ووضعها على الرفوف في المخازن المظلمة!

أما الدور الصهيوني في إبادة فقراء اليهود والعاجزين من الشيوخ والمرضى والأطفال والنساء، فقد كان يتجسد ويتضح في المحادثات التي كان يجريها آيخمان بأمر من هتلر مع ضيفه «بارغيلاد» المندوب الصهيوني القادم من الفتابو.

كان آيخمان يعرض على ضيفه تحرير بضعة آلاف من الأسرى اليهود في المعتقلات النازية وتدريبهم على الحراثة والزراعة ومن ثم إرسالهم إلى فلسطين ليشكلوا نواة الدولة الإسرائيلية، في مقابل أن يقدم اليهود الرأسماليون إلى النازية الألمانية عشرة آلاف، أقل أو أكثر سيارات لوري لنقل الجنود الألمان إلى الشرق حيث قرار هتلر، على رغم معارضة قادته فتح جبهة ضد الاتحاد السوفياتي... لم يرفض الممثل الصهيوني العرض، لكنه اشترط أن يكون المحررون من (الشباب)، وأن تعطى الفرصة له لعرض المطلب النازي على القادة الصهاينة، وتذكر الحوادث التاريخية أن القادة الصهاينة عرضوا الأمر على الحلفاء، الذين بدورهم رفضوه لئلا يعتقد الاتحاد السوفياتي أن دول الحلفاء يتآمرون عليه مع ألمانيا، وهي مؤامرة حدثت، ويمكن إثباتها من خلال دراسة وتحليل الحوادث كما يأتي التوضيح:

1- إن بريطانيا وفرنسا تآمرتا على تشيكوسلوفاكيا، وخانتاها من خلال ما قامتا به من ضغوط على رئيسها بنيش، الذي حذر من أن الطرق بعمى على أبواب السلام ذو نهاية مأسوية مع أية أمة ترى في السلام موتاً لها، وكان الهدف من التضحية بتشيكوسلوفاكيا تشجيع هتلر على التوجه في حروبه نحو الشرق إذ الاتحاد السوفياتي.

2- تؤكد حوادث التاريخ أن الحلفاء غدروا بالاتحاد السوفياتي وخانوه، بدليل أن آينمان نفذ مطلب بارغيلاد وقام بتحرير عدة آلاف من الشباب اليهود من معتقلات الأسر النازية، إضافة إلى أن آيخمان قام بطرد الراهبات من أديرتهن في المزارع والاستيلاء على أدواتهن الزراعية لكي يستعملها شباب اليهود المحررين من الأسر في تدريبهم على أعمال الزراعة والحرث.

هل نفذ آيخمان هذا من دون أن يحصل على المطالب النازية؟ وانه بعد أن تم تدريب ذلك الفوج من اليهود في مزارع برلين، وبأمر وتوجيه من هتلر أن يقوم آيخمان بنقل الفوج البرليني تحت إشرافه إلى المجر لينضم إلى فوج آخر تم تدريبه هناك، وأن يعطي لهم جوازات سفر مزيفة ليسافروا بها إلى فلسطين... لا نريد التعليق على ذلك، لكننا نوجه القارئ الكريم إلى مراجعة كتاب «إسرائيليات وما بعد العدوان» للمرحوم أحمد بهاء الدين، وفيما يختص بشأن ما ذكرناه عن دور الصهيونية القذر في اشتراكها في إبادة اليهود بجانب النازية الهتلرية، أن نركز نظر القارئ العزيز على شرط بارغيلاد أن يكون المحررون من المعتقلات النازية من الشباب... وعند هذا المدى من المحاورة نضع أمام قارئ «الوسط» السؤال الآتي: لماذا التمييز الصهيوني بين اليهود بتأكيد قادة الصهيونية أن يكون المحررون من الشباب؟ وماذا سيكون عليه مصير الباقي من اليهود من الشيوخ والعجزة والمرضى من النساء والرجال؟... نترك للقارئ الكريم لكي يكد فكره ويشغل عقله للإجابة على سؤالنا المطروح، انطلاقاً من تفعيل سياسة «الوسط» الهادفة إلى أن تجعل من قرائها شركاء فكر وأخذ وعطاء. لكل ما تنشره من موضوعات، لا مجرد قارئ يلقي بالصحيفة جانباً بعد أن يكون قد انتهى من قراءة أي موضوع من موضوعاتها التي تنشرها يومياً.

بقي علينا أن ننهي جولتنا هذه بالتركيز على الهجوم الإسرائيلي على لبنان وعلى فلسطين، ونعبّد له لنتناوله في مقال تالٍ... هل صحيح أن الصهيونية التي ضحّت بعشرات الألوف من اليهود يهمّها موضوع جنديين تم اعتقالهما من قبل حزب الله، أم أن وراء الأكمة ما وراءها من تحطيم لبنان بهذا القدر الذي يسجل أول ما يسجل أكبر عارٍ على حكومات الدول العربية، وهذا ما سنتناوله أو نتركه للتناول العام من قبل كتاب أمتنا العربية... على أننا نضع نقطة انطلاق نتصور في طيها: «إن الهجوم على لبنان يدخل في احتلالها وإدخالها في الحدود الإسرائيلية في إطار ترسيم حدودها»

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً