العدد 142 - السبت 25 يناير 2003م الموافق 22 ذي القعدة 1423هـ

هل تكون سنة 2003 سنة تحرير الإعلام في المغرب العربي؟

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

المملكة المغربية مقدمة على تغييرات واسعة النطاق في مشهدها الإعلامي بعد أن كشف وزير الاتصال (الإعلام) أن الحكومة تفكر في منح مؤسسات خاصة تراخيص خلال سنة 2003 تسمح بتأسيس قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية محلية ودولية جديدة تكون مستقلة عن الدولة. وأشار إلى أن الإدارة تدرس ثلاثين طلبا في هذا الشأن.

هذه الثورة الإتصالية التي ستقدم عليها المغرب، لن تقف تأثيراتها داخل حدودها، بل ستكون لها تداعيات بالضرورة على الدول المجاورة لها، بما في ذلك الجزائر وتونس وربما ليبيا. ولتمحيص مدى إمكان حصول مثل هذه الفرضية يجب التعرف أولا على الأوضاع الإعلامية الراهنة في هذه الدول، والتساؤل في ضوء ذلك: هل تكون السنة الجديدة سنة حرية الصحافة والتعبير في منطقة المغرب العربي؟

تاريخيا يمكن القول إن الصحافة بمفهومها الحديث لم ترَ النور في معظم بلدان المغرب العربي إلا في ظل الحقبة الاستعمارية. وعلى رغم تدخل الإدارة الفرنسية لتعطيل بعض الصحف ذات التوجه السياسي الوطني، فإن عددا واسعا من الصحف المتنوعة ومتعددة الاتجاهات والاختصاصات قد نمت وصمدت وتمكنت من خلق وعي ثقافي وسياسي جديد. في حين أن غالبية الأنظمة التي قامت بعد الحصول على الاستقلال كانت معادية لحرية التعبير، وجاءت لتقضي على الحريات الصحافية التي ترسخت نسبيا خلال الخمسين سنة التي سبقت بناء الدولة الوطنية.

المغرب: تجربة استثنائية

كانت التجربة الصحافية في المغرب الأقصى متميزة عن غيرها في البلاد العربية. لقد تعود القارئ العربي على أن تكون الصحف الرئيسية التي يرتبط بها إما أن تكون حكومية وإما أن تكون خاصة ذات صبغة تجارية. حدث ذلك في كل البلاد العربية تقريبا إلا في المغرب إذ بقيت صحف الحزبين الكبيرين «الاتحاد الاشتراكي والاستقلال» تحتل إلى وقت قريب المرتبة الأولى من حيث نسبة الإقبال والصدقية. ويعود ذلك إلى أسباب تاريخية وسياسية ليس هذا مجال استعراضها، ومن بينها أن القصر الملكي اختار أن يكون فوق الأحزاب، لكنه أخفق في تـأسيس صحيفة أو أكثر تكون موالية له وقادرة على شد الرأي العام، مثلما فشل أيضا في بث الروح في الأحزاب الإدارية التي أوجدها بطرق مختلفة، والتي لا تملك مقومات البقاء والاستمرار بعيدا عن تمويل السلطة.

مع انتقال المعارضة الرئيسية إلى ممارسة الحكم خلال السنوات الخمس الأخيرة، واتساع نطاق الحريات، أخذت الصحف الحزبية التقليدية تتراجع، وخصوصا صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» كنتيجة طبيعية لضريبة المشاركة في السلطة، والالتزام الشديد بالسياسة الحكومية التي قادها رئيس الحزب عبد الرحمن اليوسفي. لهذا بدأ القراء يتوزعون على عشرات الصحف الجديدة التي غزت الأكشاك في فترة وجيزة وجاءت كإحدى ثمار المرحلة الديمقراطية.

الجزائر: الانتفاضة

بعثت الحياة في الصحافة

في الجزائر، وخصوصا بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين ضد الرئيس الأول أحمد بن بلا، سادت البلاد موجة من التشدد والاستبداد حالت دون إمكان الحفاظ على قدر ولو بسيط من حرية الصحافة. وهكذا أصبحت صحيفة الشعب أو المجاهد شبيهة من حيث الدور والوظيفة والإخراج لصحيفة البرافدا التي كانت ناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفياتي. ولم تعد الروح إلى الصحافة الجزائرية ويولد الصحافيون الجزائريون من جديد إلا بعد انتفاضة 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي أدخلت البلاد في مرحلة مغايرة. ومنذ ذلك التاريخ، وعلى رغم تورط البلاد في دوامة العنف الشديد الذي حصد الكثير من الإعلاميين والمثقفين، فقد تمسكت النخبة بالحق في إعلام تعددي يعكس مختلف وجهات النظر والمواقف بما في ذلك الجهات القريبة من جبهة الإنقاذ المنحلة وذراعها العسكري. ومن يزر الجزائر حاليا تشده أكشاك الصحف المؤثثة بعدد واسع من العناوين التي ولدت خلال السنوات الأخيرة، وأخذت تعكس بحرية ملموسة الجدل الدائر بين مختلف التيارات السياسية والأيديولوجية. وعلى رغم اعتقاد الكثير من الإعلاميين والمثقفين بأن السلطة اختارت الأسلوب المصري القائم على مقولة يرددها كثيرا الزملاء المصريون «قولوا ما تشاءون وتفعل السلطة ما تشاء»، غير أن المراقب لا يمكن أن يقلل من القدر الواسع لحرية التعبير الذي يتمتع به الصحافيون الجزائريون، والتي تبلغ أحيانا درجة الهجوم اللاذع على الرئيس بوتفليقة والمؤسسة العسكرية إضافة إلى ما يطلق عليه بـ «المافيا المحلية».

مع ذلك فإنه على رغم تمكين مجموعة «خليفة» من إنشاء محطة تلفزيون خاصة، وهي المحطة التي يجري حولها لغط كبير، فإن الإعلاميين والمعارضين يتهمون السلطة بالتمادي في ممارسة الاحتكار شبه الكامل للإذاعة والتلفزيون المرتبطين عضويا بالجهاز الحاكم. لكن ذلك لم يمنع تنظيم حوارات حول ملفات حارقة تم نقلها مباشرة تميزت بكثير من الجرأة، وخصوصا خلال الحملات الانتخابية.

تونس: كل شيء

يتغير إلا الإعلام

في تونس تبدو الصورة مختلفة إلى حد كبير. فالرئيس السابق الحبيب بورقيبة، على رغم أنه اعتمد الصحافة أثناء مرحلة النضال الوطني، غير أنه انقلب عليها بعد توليه السلطة، وقضى على تعدديتها واستقلاليتها. لكن مع تواتر عدة أزمات، وخروج اتحاد العمال عن سيطرة الحزب الحاكم والدور الكبير الذي لعبته صحيفته «الشعب»، قبل بورقيبة على مضض مع أواخر السبعينات بالسماح لعدد من الصحف المستقلة بالصدور، كانت في طليعتها صحيفتا «الرأي» و«المغرب العربي».

هذا النفس التعددي في المجال الإعلامي ازداد تطورا بعد التغيير السياسي الذي حصل في صبيحة السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987. لكن مع مطلع التسعينات، وبعد اندلاع أزمة الخليج الثانية على الصعيد العربي، وانطلاق المواجهة الشاملة بين السلطة وحركة النهضة على الصعيد المحلي، توالت التراجعات في المجال الإعلامي، إلى أن عاد الوضع إلى ما قبل السبعينات، حسب اعتقاد الكثير من الديمقراطيين وأصحاب المهنة. ومنذ ذلك التاريخ والمطلب الذي يكاد تجمع حوله كل مكونات المجتمع المدني هو المطالبة بتحرير الإعلام والنهوض بالصحافة التونسية.

من جهة السلطة فهي تعتقد بأنها قدمت الكثير للقطاع الإعلامي، وذلك من خلال المساعدات المالية لصحف المعارضة، وإدخال بعض التعديلات على قانون الصحافة، وتطوير الأوضاع المادية للصحافيين. هذه الإجراءات وغيرها لا ينكرها أصحاب المهنة، لكنهم يعتبرون أنها دون مطالبهم وتطلعاتهم، ولا ترتقي إلى مستوى ما تفرضه المرحلة التاريخية. ويؤكد الكثير منهم أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في الجانب القانوني أو المالي على أهميتهما، بقدر ما تكمن في إطلاق حرية الصحافة والتعبير وتحرير المهنة من القيود السياسية والإدارية. وفي هذا السياق بادر هذه الأيام عدد من الصحافيين والمثقفين والسياسيين بإطلاق نداء من أجل جعل سنة 2003 «سنة الدفاع عن حرية التعبير في تونس»، مؤكدين في بيانهم الذي يتوقع أن يجمع مئات الوقيعات خلال الأسابيع المقبلة أن «الاستحواذ على جميع وسائط الاتصال والإعلام أمر لم يعد مقبولا، بل ومهينا للكرامة». ووصفوا ظروف العمل المهني بأسلوب اعتبرته الأوساط الرسمية «متحاملا» حين قالوا إن «قاعات التحرير في وسائل الإعلام تعيش تحت كابوس الرقابة الذاتية وحجب المعلومة والإسفاف والتزلف، وكذلك القمع واستبطان الخوف، وكل من يتحدى هذا الوضع أو يحاول خرق الحواجز يكون عرضة لسلسلة من العقوبات المتلاحقة».

هكذا يبدو المشهد الإعلامي في الدول الثلاث المغرب والجزائر وتونس. وهي دول ذات تاريخ صحافي ثري بتجاربه وتعدديته، لم تعمل دول الاستقلال على تنميته وتجذيره، نتيجة حرص النخب الحاكمة على الانفراد بالمعلومة واحتكار التعامل مع الرأي العام. لكن بعد أن فشلت الدولة في تحقيق التنمية الموعودة، ولم تعد أجهزتها الإعلامية تشكل المصدر الوحيد للمعلومات، اضطرت إلى التراجع التدريجي إلى أن أخذت تستسلم للتحولات الجذرية العالمية والإقليمية والمحلية، بما في ذلك بداية الاعتراف بحق المواطن في إعلام حر وتعددي وذي صدقية. إذا المسألة محسومة تاريخيا، لكنها تحتاج فقط إلى قليل من الوقت والصبر وكثير من الضغط الداخلي

العدد 142 - السبت 25 يناير 2003م الموافق 22 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً