التعبير عن مكنونات النفس يظهر بعدة صور منها «فن التمثيل»، الذي من خلاله يسجل الفنان موقفاً تمثيلياً يعبر فيه عن دور اختاره له المخرج، وأحياناً ما يختاره الممثل نفسه، ولا فرق بين أن يكون التمثيل على خشبة المسرح أو في ساحات عامة للتسجيل.
السكون المستمر
ولد أحمد زكي العام 1949 بالزقازيق «محافظة الشرقية» ومات والده وهو في عامه الأول، وتزوجت والدته بعد رحيل الوالد مباشرة... فتعلق باليتم من بداية حياته، ولكنه لم يهدأ كاليتيم الذي يقدم له الناس كل ما يطلب، إذ صنع من ألمه وتأملاته طريقاً ليعبر من خلاله عن ألمه وهواجسه وما يدور داخل نفسه من خلال فن واحد وهو التمثيل، الذي لحضناه جلياً من خلال العام 1974م في « أبناء الصمت» و«بدور»، إلى أخر 2005 إذ أخر مشهد صوره قبل حدوث أزمته الصحية التي توفي فيها في فيلم «حليم»، مشهد ليل خارجي لعبد الحليم حافظ أمام مسرح مدرسة السعدية بالجيزة، وهو مشهد استقبال الجمهور لحليم عند وصوله المسرح قبل أن يصعد ويغني «قارئة الفنجان»، التي كان أحمد قد انتهى من تصويرها فعلاً، بحصيلة لم تتوقف 54 عملاً فنياً أبدع فيها الفنان تجربته التعبيرية عن ما كان يريد أن يوصله من خلال أدواره التي تنوعت في كل هذه الفترة الغنية التي أنتجت لنا أنموذجاً منفرداً من نماذج الفنانين العرب المصريين.
وبدأ الكثير من الممثلين والفنانين الكبار طريقهم من خلال حضورهم الواضح في الكثير من المسرحيات التي يتم اختيارهم لها، فالمخرج الحادق هو من يتصيد الفنانين وسط ضوضاء المسارح ووسط ضوضاء الأحياء الشعبية، وآخرين من الممثلين يختارون أنفسهم التي يجدونها فوق المسارح، إذ يجدون الفن هو أحد وسائل التعبير عن هواجسهم وهمومهم وهموم الغير، ومن بين تلكم الفنانين الذين وجدوا أنفسهم وتبنوا موهبتهم الفنان القدير احمد زكي. رحلته بدأت بحب التمثيل في المسرح، منذ بداية التحاقه بالمرحلة الدراسية الثانوية، وبتعبير أحمد زكي - لحسن حظي أن ناظر المدرسة كان يهوى التمثيل - فصار أحمد زكي في فترة وجيزة هاوياً للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس.
واكتشاف الفن ليس أمراً اعتيادياً لأي شخص لنفسه، لكن إذا كان هذا الشخص قالباً جاهزاً، وحرارة الفن لديه واصلة حد الفوران فإنه يلحظ ذلك في أعماقه مبكراً، فهكذا تحدد طريق أحمد زكي نحو الفن إذ إلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج منه العام 1973.
دمعة في جنة الضحك
كلنا يجمع أننا عرفنا أحمد زكي وسط كوكبة من الفنانين الذين أضحكوا كل مشاهد فمن عادل إمام، سعيد صالح، يونس شلبي، حسن مصطفى، عبد الله فرغلي... وأحمد زكي وهو التلميذ الغلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة في مسرحية «مدرسة المشاغبين» لذلك عد النقاد أحمد زكي «دمعة في جنة الضحك».
يقول النجم الأسمر في أحد لقاءاته:
«اليوم علينا معالجة الإنسان... أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة... أنا رجل بسيط جداً لديه أحاسيس يريد التعبير عنها... هدفي هو ابن آدم، تشريحه، السير ورائه، ملاحقته، الكشف عما وراء الكلمات، ما هو خلف الحوار المباشر. ليس هناك ثورة حقيقية في أي مكان من العالم... هناك غباء عام وإنسان مطحون. الشخصيات التي أديتها في السينما حزينة، ظريفة، محبطة، حالمة، متأملة... تعاطفت مع كل الأدوار، غير أنني أعتز بشخصية إسماعيل في فيلم عيون لا تنام، فيها أربع نقلات في الإحساس... في البداية الولد عدواني جداً كريه جداً، وساعة يشعر بالحب يصبح طفلاً... الطفولة تجتاح نظرته إلى العالم والى الآخرين...».
نجد أحمد زكي في كل الأدوار التي أداها إنه يهتم كثيراً بتفاصيل وجهه أثناء أدائه وهذا الكل يلاحظه، لذلك هو يقول أكره التمثيل في الإذاعة، لأنها لا تتيح له هذا الجو من التعبير عن ما يريد أن يؤديه ويعبر عنه، فكل شخصية كان يؤديها تستنطقه وتحفزه وتتحداه أن يظهر كل ما بداخله من أحاسيس، لذلك فإنه نجح من بين كل المدارس العربية والمصرية في أن ينتج لنا مدرسة خاصة قد نسميها مدرسة أحمد زكي الفنية
العدد 1419 - الثلثاء 25 يوليو 2006م الموافق 28 جمادى الآخرة 1427هـ