أحيانا كثيرة لا يقول العرب ما يفكرون به. هذه المقولة بالنسبة إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والكثيرين تعكس الضعف السياسي العربي، وقال موسى إن هذا ما يفكر به كثير من العرب إن لم يكن كلهم. وفي معرض تعليقه على حرب «إسرائيل» الجديدة وغير المتكافئة ضد لبنان قال موسى: «لقد ماتت عملية السلام»، ربما هذه النقطة الوحيدة التي يتفق عليها العرب. وقبل ذلك اجتمع العرب في القاهرة وقالوا ما يفترض عليهم قوله في هذا الوقت، فأدانوا العدوان الإسرائيلي على لبنان مفضلين الطريق السهل. لكن معاينة موضوعية للأوضاع تكشف أن كل دولة عربية إنما تتبع مصالحها القومية وهذا أهم بالنسبة إليها من التضامن العربي. هذا ما عكسته أيضا جلسة سرية لمستشارين عرب وإسرائيليين وأوروبيين في ألمانيا، إذ تم التستر على أسماء المشاركين في الندوة التي استضافتها مؤسسة «بيرتلزمان» تم خلالها تحميل قسط كبير من التصعيد لـ «حماس» وحزب الله. أما الجانب الأوروبي فانتقد «إسرائيل» وليس الجانب العربي من الصراع. في حين حملت مصر «حماس» وحزب الله مسئولية التصعيد سبب التضامن مع الدولة العبرية وليس مع المقاومة. كما أن مصر ترتبط بحدود مع غزة التي تسيطر عليها «حماس». ومنذ العام 1981 بعد تسلم حسني مبارك الحكم في مصر خلفا للسادات الذي قتل على أيدي إسلاميين، تتبع مصر مصالحها القومية وهذا ما جعل هذا المبدأ ناجحا، إذ أضعف نفوذ «الإخوان المسلمين» وساعد في فوز مبارك بولاية بعد الأخرى حتى أصبحت خمس ولايات رئاسية من دون تعيين نائب له حتى اليوم. فنجاح سياسة وقبل كل شيء العمليات العسكرية لـ «حماس» في غزة المجاورة من شأنه أن يحظى باهتمام «الإخوان المسلمين» في مصر وبالتالي يقوي دعمهم لـ «حماس».
على الطرف الآخر هناك سورية التي لها وصاية تاريخية على لبنان ولم تتخل بعد كل ما جرى من انسحاب جيشها من لبنان وكان 14 ألف جندي وكذلك مخابراتها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عن أطماعها. وكان لبنان قد انفصل عن سورية نتيجة للحرب العالمية الأولى. وأجبرت دمشق على سحب قواتها ومخابراتها من لبنان تحت ضغط أميركا والأمم المتحدة. لكن هذا لم يكن نهاية لنفوذها في لبنان. فحين تظاهر 750 ألف لبناني من أجل ثورة الأرز تظاهر في المكان نفسه بعد أيام مليون لبناني استجابوا لدعوة حزب الله للتأكيد أهمية سورية ونفوذها في لبنان.
بينما تقضي مصالح مصر والسعودية أن يجري تحميل مسئولية التصعيد لـ «حماس» وحزب الله وبالتالي تخفيف العبء بعض الشيء عن «إسرائيل»، تتبع سورية سياسة نفور تقليدية من الدولة العبرية. أحد أهم أسباب استمرار العداوة بين دمشق و«تل أبيب» أن الأخيرة احتلت هضاب الجولان خلال حرب الأيام الستة العام 1967. ليس سرا أن سورية وإيران تدعمان حماس وحزب الله. في المقابل فإن «إسرائيل» تعتمد في كل شيء على الخارج: إذ تحصل على دعم كامل من الولايات المتحدة وألمانيا ونسبة 70 في المئة من صادراتها الزراعية لدول الاتحاد الأوروبي. هناك أيضا اتفاق استراتيجي بين إيران وسورية. هذا الاتفاق كان ممكناً ليس لأن العدو مشترك فحسب، بل لوجود مصالح إيديولوجية، فالأقلية العلوية التي تحكم في سورية محسوبة على الشيعة. هناك عداوة تقليدية بين «إسرائيل» مع هاتين الدولتين. ويرى بعض المعلقين أن الحرب ضد حزب الله هي أيضا مواجهة غير مباشرة بين «إسرائيل» من جهة وإيران وسورية من جهة أخرى. فقد اتهم سفير «إسرائيل» في برلين شيمعون شتاين حرس الثورة الإيرانيين بتقديم الخبرة العسكرية لمقاتلي حزب الله في لبنان. كما يرى البعض في الحرب ضد حزب الله جبهة ثانية غير الجبهة بين إيران من جهة وأميركا و«إسرائيل» من جهة أخرى بسبب النزاع على البرنامج النووي مع إيران.
مبالغة «إسرائيل» في العمليات العسكرية لها أيضا تقليد. في عام تم اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن من قبل مسلحين فلسطينيين وكانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مازالت في لبنان ومن هناك كانت تهاجم الدوريات الإسرائيلية في المناطق الحدودية ما دفع بـ «إسرائيل» على ضوء اغتيال سفيرها إلى القيام بخطة عسكرية مخطط لها منذ وقت بعيد لاحتلال مساحة شاسعة من جنوب لبنان وصولا إلى نهر الليطاني، إذ قامت بسرقة مياهه. أدى احتلال جنوب لبنان إلى ظهور حزب الله كحركة مقاومة لبنانية في مناطق غالبية سكانها من الشيعة ولقي ظهور حزب الله حماسا كبيرا لدى المواطنين. في العام 1982 قامت «إسرائيل» وكان يومها رئيس الوزراء مناحيم بيجن وزير الدفاع أرييل شارون بحرب جديدة في لبنان أدت إلى خروج الفصائل الفلسطينية إلى الخارج. في مايو/ أيار العام 2000 اتخذ رئيس الحكومة الإسرائيلية قرارا بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد أن كلف الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية ومادية كبيرة على يد حزب الله. كما استخدم ما كان يعرف بجيش لبنان الحر وقائده سعد لحد لحماية «إسرائيل». كانت النتيجة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان أن أتباع لحد فروا إلى «إسرائيل» التي قامت لاحقا بتوزيع المئات منهم على حلفاء لها في الغرب ليعشوا لاجئين فيها تحت أسماء مستعارة.
بعد انسحاب فصائل منظمة التحرير من لبنا أصبح حزب الله أقوى حركة مقاومة ضد «إسرائيل» وفي العام 2000 احتفل حزب الله بالانسحاب الإسرائيلي كنصر كبير له على الدولة العبرية. يرى معلقون هنا أن التصعيد الذي تقوم به «إسرائيل» يعيد حزب الله إلى الخريطة السياسية كما يزيد من شعبيته في لبنان وداخل العالم العربي. ومهد حزب الله لهذه الشعبية من خلال ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ وصولا إلى حيفا وعكا إضافة إلى ضرب سفينة حربية إسرائيلية ومقتل بحارة كانوا على متنها. آخر سفينة حربية إسرائيلية تعرضت لنيران العرب كانت خلال حرب الأيام الستة في العام 1967. لذلك ليس قلة العرب الذين يرون أن حزب الله وجه ضربات موجعة للإسرائيليين. شعبية حزب الله من نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان
العدد 1417 - الأحد 23 يوليو 2006م الموافق 26 جمادى الآخرة 1427هـ