منذ أسبوع، وإثر خطف حزب الله جنديين إسرائيليين، تقوم «إسرائيل» بكل ثقلها التسليحي والعسكري والشعبي، بشن حرب واسعة النطاق على لبنان، ومازالت تطال الاعتداءات غير المتوقعة مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصا المرافق المدنية ومنشآت البنية التحتية، من جسور ومطارات وموانئ ومستودعات ومحطات كهرباء ووقود وغيرها. وتسببت هذه الحرب في وقوع كارثة إنسانية حقيقية على لبنان واللبنانيين، الأمر الذي لا يتحمله أي شخص عاش ولو لفترة قصيرة في لبنان، أو رآه على شاشات التلفزة أو سمع عنه من خلال زائر أجنبي للبنان، لا يتحمل مشاهدة القتلى والجرحى وقصة المهجرين والنازحين.
لبنان لا يستحق كل ذلك، أهو ثمن إنسانية إنسانه أم ديمقراطية نظامه؟ في الحقيقة، إن من يراقب الهجمات المجنونة على هذا البلد لا يظن أن هدف «إسرائيل» من هذه الحرب هو نزع سلاح حزب الله، بل هناك أمور أخرى خافية على المراقبين، يعرفها فقط من يقوم بالهجمات، لأن مسألة سلاح حزب الله وفرض الحكومة اللبنانية سيادتها على كل الاراضي اللبنانية، كانت موضوع الحوار اللبناني. وبحسب المعلومات، قبل حزب الله أن تكون هذه المسائل قيد البحث.
لبنان الذي نعرفه ليس هو حزب الله فقط، بل لبنان بلد معطاء ومنتج للأفكار والخبرات، كلنا تعلمنا الصحافة في بيروت، وتعلمنا ألف باء الحياة والنظام الديمقراطي من لبنان، لذلك فما يأتي على لبنان يبكي القلب.
كان من المفضل والمفروض أن يطلب المجتمع الدولي الوقف الفوري لهذه الحرب المدمرة ولكل العمليات العسكرية، ولا تبث ثقافة ستصبح يوماً قيماً وقانوناً بالنسبة إلى كل المعتدين على سيادة الدول. والكلام عن أن من حق «إسرائيل» أن تدافع عن نفسها من هجمات إرهابية لا يحد الهجمات بل يعوق الحل، ولعل الموقف الفرنسي من الهجمات الاسرائيلية كان متزنا بالنسبة إلى باقي الدول الثماني الكبرى.
المنطق يقول إن حل الإشكالات القائمة يجب أن يكون بالطرق السلمية ووفق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالمنطقة. وإذا كانت نية المجتمع الدولي الوصول إلى حل، فلديه الحكومة اللبنانية ليسمع نداءها ورؤيتها، فهي الطريقة الوحيدة للوصول إلى حل مجد، ودعم مساعيها إلى بسط سيطرتها على الاراضي اللبنانية.
يبدو أن الغارات الجوية على لبنان وكما كشفتها الأيام السبعة الأخيرة، ليس سببها الوحيد تصفية حزب الله وكسر نفوذ إيران كما كانت توقعات بعض المراقبين، بل سببها محاولة «إسرائيل» ألا تكتمل العملية السياسية والديمقراطية في لبنان، والتي بدأها اللبنانيون منذ فترة.
والمعطيات تقول إن «إسرائيل» لا تريد أن يكون لبنان بلدا ديمقراطيا وذا سيادة، فلو كان ذلك صحيحا لترك مسألة حزب الله على مسئولية طاولة الحوار اللبنانية، وهي طاولة تذكر اللبنانيين دائما وكلما جلسوا على الطاولة ببحث مسألة سلاح حزب الله. فـ «إسرائيل» تعرف أن إجبار حزب الله من قبلها على نزع سلاحه لا ينهي المشكلات، لأنه بذلك سيبقي خيار الانتقام قائما في أي وقت.
إن سحب سلاح حزب الله من مسئولية اللبنانيين، وهم يعرفون متى ستنضج الظروف ليترك الحزب سلاحه، ولبنان لم يطلب من «إسرائيل» أية مساعدة للضغط على الحزب لترك السلاح. والمنطق والقانون الدولي يقول إن خيار الحرب والسلم هو من وظيفة الدولة اللبنانية، وهذا مفهوم، لذلك يجب ترك المجال أولا للدولة اللبنانية ومساعدتها للوقوف على قدميها حتى تتمكن من إيصال الحوار إلى نهايته، والمساهمة في إزالة أسباب بقاء السلاح في حوزة حزب الله، وإنضاج فكرة الدولة في لبنان.
المنطقة كلها لا تتحمل أي انفجار جديد، وبالتالي يجب أن يعرف المجتمع الدولي أن حربا مفتوحة وهمجية في المنطقة ستكون عواقبها وخيمة، فالمنطقة مليئة بالاحتقانات والاضطرابات، لذلك فإن المجتمع الدولي مدعو إلى قراءة الأمور بمنطق سياسي لا بمنطق عسكري، ليدرك أن الحروب مهما تكن أسبابها، تؤثر على الحريات وعلى حقوق الإنسان، وقد علمنا التاريخ أن الأنظمة القديمة تستفيد من هذه الحروب وتقوي نفوذها، وتزيد من حجتها على التمسك بالمواقف القديمة، والضغط على الداخل بحجة تهديد الخارج.
يجب أن نفكر في الداخل، وأن نعطي المجال لإنضاج مشروعات التغيير والإصلاح، فالحروب المجنونة تؤخر كل مساعي التغيير والحوار في المنطقة
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1415 - الجمعة 21 يوليو 2006م الموافق 24 جمادى الآخرة 1427هـ