العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ

من بعلبك إلى رفح... حرب الإبادة ونهر الدماء

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

هذا الصيف لاهب الحرارة، وحرارته لا تأتي من ارتفاع حدة المناخ فقط، لكنها تأتي أكثر من هذه الحرب المندلعة على أكثر من جبهة، في هذه المنطقة الموعودة بنار الصراع المتأجج على الدوام.

بذريعة استعادة «إسرائيل»، لجنديها المأسور لدى «حماس» في فلسطين، ثم لجنديين آخرين مأسورين لدى حزب الله في لبنان، أطلقت العنان لشهوة مؤسستها العسكرية وقيادتها السياسية، في الاستمتاع بخوض حرب مفتوحة على جبهتين في فلسطين ولبنان.

وعلى رغم هذه الذريعة، فلا أعتقد أن أحداً يصدق أن كل هذه الحرب والإفراط في استخدام أحدث الأسلحة، وتعمد قتل أكبر عدد من المدنيين الأبرياء هنا وهناك، والتلذذ المرضي المجنون بتدمير كل شيء على وجه الأرض، يهدف حقاً إلى استعادة ثلاثة جنود إسرائيليين سقطوا في الأسر، خلال مواجهات عسكرية!

إنما هذه كذبة كبرى لتغطية الهدف الإسرائيلي الأوسع الأبعد، وهو إعادة خلط الأوراق المبعثرة في المعادلة العربية الإسرائيلية، وبالتالي وضع قواعد جديدة للعبة، تغلق ملف ما فات، وتفتح ملفاً جديداً، يدفع بمشروع رئيس وزراء «إسرائيل» أولمرت، الهادف إلى تحديد حدود «إسرائيل»، بعد التهام 80 في المئة من أرض فلسطين، ويضعه موضع التنفيذ، بعد أن عجز سلفه السفاح الأشهر شارون عن تحقيق هذا الهدف.

وبداية نقول إنه يستحيل الفصل الكامل، بين الحرب الإسرائيلية المفتوحة على جبهتي فلسطين ولبنان، التي أرادت لهذا الصيف أن يلتهب أكثر و أكثر، وبين الحرب الأميركية المفتوحة أيضاً في العراق منذ أبريل/ نيسان 2003، إذ إن كلاً منهما حرب عدوان وإبادة وتدمير وقتل متعمد، اشتعلت بذرائع واهية وحجج أثبتت الأدلة العملية كذبها وزيفها، وعلى المبررين إياهم، من جماعة المتأمركين العرب، التوقف عن ادعاءاتهم، ثم التعقل قليلاً.

وأصبحت «المقاومة» كلمة ورمزاً، معنى ومبنى، هي العقدة الحاكمة، وهي الرقم الصعب، الحاضر الغائب، الشاهد والمشهود، الشبح الخفي، في هذه الحروب المستعرة على الجبهات الثلاث، فلسطين ولبنان والعراق... وبقدر ما أصبحت كلمة المقاومة هي الكلمة السحرية في معادلة الصراع الملتهب، بالنسبة إلى الغالبية العظمى من العرب والمسلمين، بقدر ما أصبحت الهدف الرئيسي المطلوب رأسه من جانب الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل»، ومن لف لفهما من العروبيين والغربيين التوابع على السواء!

وفي حين عجزت أميركا بكل ترسانتها العسكرية الأقوى والأشرس في عالم اليوم، عن قهر المقاومة الوطنية والشرعية في العراق، للعام الرابع على التوالي، وفشلت في أن تحقق نصراً قوياً واحداً، اللهم إلا إسقاط نظام البعث بقيادة صدام حسين، وكانت تتوقع خروج الشعب العراقي عن بكرة أبيه، حاملاً الورود لاستقبال كتائب الغزاة الأميركيين وتوابعهم من المتأمركين، فإنها غرزت بثقل أقدامها السياسية والعسكرية، في مستنقع دموي رهيب، لا يبدو له خاتمة سلمية، وخصوصاً بعد إشعالها حروب الفتنة الطائفية هناك!

ولم تكن «إسرائيل» بعيدة عن كل ذلك، ليس فقط بوجودها الذي صار علنياً فوق أرض العراق، في ظل الاحتلال الأميركي، ولكن أساساً بحروبها السياسية العسكرية، ضد الشعب الفلسطيني، بهدف قهره واستعباده، حتى يركع ويخنع ثم يوقع على وثائق الاستسلام باسم السلام، لكن المقاومة الوطنية كانت هناك ومازالت، مثلها مثل أية مقاومة وطنية ضد المحتل الأجنبي حفظها تاريخ البشرية، وليس بعيداً المقاومة الأميركية ضد الاحتلال البريطاني، ولا المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، ولا المقاومة المصرية ضد الاحتلال البريطاني، ولا المقاومة السورية واللبنانية والجزائرية والمغربية ضد الاحتلال الفرنسي!

ولا يعني تكرار استخدام واشنطن للفيتو في مجلس الأمن ضد كل قرار يدين «إسرائيل»، أو حتى يعاتبها ويناشدها، أن حق المقاومة الشرعي قد سقط، مثلما لا يعني تبجح بعض المبررين والمفسرين من العرب والفرنجة، بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية هو إرهاب، سيؤدي إلى غسل مخ الشعوب وإدانة المقاومة بالسقوط في بئر الإرهاب!

وبقدر ما أن الدليل الناصع الناصح، يأتينا من المقاومة الفلسطينية والعراقية هذه الأيام اللاهبة، بقدر ما أعادت المقاومة الوطنية اللبنانية الموقف على جبهة الجنوب إلى الصورة، ربما بهدف استدراج الجهد العسكري والسياسي الإسرائيلي، إلى هذه الجبهة، لتخفيف العبء الثقيل والهجوم الضاري على جبهة غزة المحاصرة من كل جانب، وحين صرخت «واعرباه» لم تجد عرباً في الأصل!

ربما لكثيرين انتقادات ملحوظة لممارسات «حماس» الفلسطينية وحزب الله اللبناني، ولكنها ملاحظات وانتقادات لا يجب ألا تنزع عنهما شرف المقاومة، ولا ينبغي أن توجه إليهما اتهامات طائشة بأنهما تسببا في هذه الحرب الإسرائيلية الوحشية على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية... وخصوصاً بعد الانسحاب الإسرائيلي المهزوم من جنوب لبنان العام 2000، والانسحاب الآحادي الجانب من غزة العام 2005، تخلصاً من خسائر فادحة أوقعتها المقاومة الوطنية.

الآن... وقعت الواقعة واشتعلت الحرب المفتوحة على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، بموازاة الحرب الأخرى المفتوحة على الجبهة العراقية، بصرف النظر عن المبررات الملفقة والأسباب المصنعة والتبريرات المفضوحة، ولم يعد متاحاً للمقاومة العربية إلا ممارسة دورها في مقاومة المحتل، لمواجهة الهدف الرئيسي للمحتل الأميركي والإسرائيلي، ومن دون التعويل في كثير أو قليل على المساندة العربية الرسمية، التي كبلتها الضغوط الخارجية وحكمتها الإرادات الأميركية تحديداً، فتوارت عن المسرح وتغابت عن المذابح والتحفت بالصمت أو المراوغة، عبر البيانات الفاضحة للمواقف والمخازي المتكاثرة على مسرح الحوادث!

ومن الواضح أن هذه الحروب المفتوحة بلا حدود سياسية أو جغرافية أو عسكرية، تهدف إلى وضع قواعد جديدة لمعادلة الصراع في الشرق الأوسط، تخدم الهدف الاستراتيجي الأميركي والإسرائيلي للسيطرة والهيمنة الكاملة على هذه المنطقة، حيث مخزون النفط، ومن قبله وبعده مخزون الصراع الحضاري الثقافي الديني السياسي القديم والمتجدد.

ولذلك... فإن كانت الحروب الطائفية القائمة في العراق الآن، تحت رعاية المحتل الأميركي، تستعد للانتقال السريع إلى دول الجوار حاملة العدوى لمجتمعات هشة المقاومة، استمراراً لتنفيذ الهدف الاستراتيجي إياه، فإن الحرب الإسرائيلية المفتوحة في لبنان وفلسطين، تستعد هي الأخرى للانتقال المنتظر إلى الجبهة السورية المستهدفة أساساً، والمتهمة بـ «رعاية الإرهاب، ممثلاً في حماس وحزب الله».

ومن العجب العجاب في هذا الزمان، أن تنساق بعض الحكومات العربية، وربما كلها في الواقع، وراء الزعم الأميركي الإسرائيلي، بمحاربة الإرهاب في فلسطين والعراق ولبنان، امتداداً إلى التطلع لقصف رأس سورية، ومحاصرة إيران، واغتيال آخر ما تبقى من روح وطنية ونفس قومي، لتبقى الغنيمة مقسمة بين النفوذين الأميركي والإسرائيلي، أما الفتات الغث فهو ملقى لنظم طأطأت الرأس، منذ البداية أمام الهيمنة الأميركية والغطرسة الإسرائيلية.

وليس مستغرباً في هذه الظروف القاسية، حيث اختلال موازين القوى ظاهر ومؤثر، أن تمتد الحروب العسكرية هذه إلى دول عربية أخرى، وأن تتسع الحرب الطائفية المشتعلة إلى ميادين أخرى ليس الخليج أقربها فقط، وليس الفضاء المغاربي أبعدها، إنما الكل تحت المطرقة الساخنة الصاعقة، من لم ينفع معه هذا، فذاك جاهز له بكل عنف وقسوة.

وبالتالي... ليس مستبعداً أن ترتبك الأوضاع في فلسطين ولبنان، ارتباك الأوضاع العراقية، فتتغير المعادلات ويسقط الوفاق الوطني وتشتعل الحروب الأهلية، تحت وطأة العدوان المسلح، وليس بعيداً أيضاً أن تسقط «حماس» وأن يضرب حزب الله، وأن تعاقب سورية بقسوة أكثر، وأن ينقسم العراق سياسياً وطائفياً وعرقياً، وأن تحاصر مصر حتى التجويع، وأن يتفتت السودان، ثم تتداعى قواعد لعبة الدومينو إلى المنتهى، وصولاً إلى الدويلات الممزقة والكانتونات المبعثرة!

ولذلك قلنا من البداية، إن الحرب المستعرة على الجبهات الثلاث، لم تكن بهدف استعادة أسير أو مطاردة إرهابي أو معاقبة معارض هنا أو هناك، لكنها حرب شاملة هدفها تصفية أوضاع مقلقة ومعادية للهيمنة والغطرسة الأميركية الإسرائيلية، حرب ضارية لاستئصال المقاومة كلمة وفكرة، معنى ومبنى، رمزاً وشعاراً وطنياً وقومياً... خانها للأسف كثيرون، من أهلها ومن داخل بيتها العربي، قبل أن يهاجمها الغازي الأجنبي، فدمغوها تارة بالإرهاب، وتارة أخرى بالمروق والجنون وجلب المتاعب فأضاعوها وأضاعونا!

خير الكلام... يقول الشاعر اليمني البردوني:

أضعنا بلا قصدٍ طريقاً أضاعنا

ولاح لنا درب بدأناه فانمحى

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً