أمس الأول ... كان يوم السبت يوم الرعب والفوضى التي صاحبت آخر رحلة (بحسب علمي) من رحلات إخراج المواطنين البحرينيين من بيروت إلى دمشق... أنا كنت من ضمن هذا الفوج الهارب من البحرينيين الذين استقلوا باصين (مكركعين) في هذه الرحلة المرهقة والمملوءة بالكثير من الرعب والفوضى والضياع... والتي كانت من سيناريو وإنتاج وإخراج وزارة الخارجية البحرينية، وبمساعدة من سفارة مملكة البحرين في الجمهورية العربية السورية... وسأنقل لكم الحوادث.
في بداية الهجوم الإسرائيلي الغاشم على لبنان... في يوم الأربعاء الماضي فتحت جميع السفارات أبوابها لمواطني دولها، واتصلت بهم على عناوينهم المسجلة لديها، ومن ثم جمعتهم في ساحاتها ومبانيها المحمية. وبعدها استأجرت لهم الباصات السياحية الفخمة والمريحة ونقلتهم بأمان إلى خارج منطقة الخطر... أما البحرينيون المساكين فهم ليست لديهم سفارة، وكل ما هو موجود فقط موظف لبناني وعنده الجنسية البحرينية، وليست لديه عناوين أو أرقام هواتف المواطنين الموجودين في لبنان... وزارة الخارجية البحرينية استعانت بشركات الاتصال البحرينية لإرسال مسجات يتلقاها (فقط) البحرينيون الذين يستخدمون الهواتف النقالة البحرينية (يعني الأغنياء فقط) وتطلب منهم الاتصال برقم السفارة البحرينية في بيروت (مع أننا نعلم بأنه لا توجد سفارة) حتى يتم إجلاؤهم إلى دمشق عن طريق التجمع أمام مبنى فندق فينيسيا غير الآمن بتاتاً.
تجمعنا في الساعة السابعة صباحاً من يوم السبت أمس الأول (15 يوليو / تموز 2006)... وفي الساعة الثامنة والنصف حضر باصان مستأجران من سورية... والله العظيم أنا أخجل من نقل البقر والماعز فيهما... كل باص تعدى عمره الافتراضي (حلي)، وليست به أية وسيلة أمان، وليست به أية نوافذ أو فتحات أو طريقة للهروب منه إذا اشتعلت فيه نار صغيرة، وبه ثلاث عتبات سلالم، وكل عتبة ترتفع عن الأخرى بمقدار قدمين بالضبط، وليست به حمامات... تصوروا كل هذا ونحن معنا العدد الكبير من كبار السن والمرضى، والرحلة استغرقت ثماني ساعات كاملة إضافة إلى ساعتين وقوف.
بدأنا في ركوب باصات «الغنم»... الشباب يحملون كبار السن لرفعهم على السلالم «الحليانة»، ويجلسوهم على الكراسي الخايسة في باصات مغلقة بإحكام عليهم، وليس فيها أية منافذ للتهوية، والجو كان حاراً جداً، والسائقون يرفضون تشغيل السيارات وفتح المكيفات (المهركعة) بحجة أنه يكلفهم «ديزل» إضافياً... هذا ما تستأجره سفارة البحرين في سورية.
بدأت حركة العذاب والرعب في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وبعد ساعة وصلنا إلى مدينة طرابلس وكان القصف الجوي والبحري قريباً منا، وعلى مسافة لا تتعدى مئات الأمتار، ونحن نسرع السائقين للوصول إلى الحدود قبل إغلاقها وضرب الشارع الموصل إليها... وفي الساعة الحادية عشرة وصلنا إلى منطقة الحدود التي تشبه زرائب الحيوانات... كان بها الخرائب والتراب والأوساخ والمتسولون والعدد الكبير من المغادرين المرتجلين (على الأقدام)... الشباب فقط هم الذين خرجوا من الباصات لشم الهواء مع الغبار الكثيف والذباب، وكبار السن جلسوا في الداخل وهم في حال يرثى لها من الحر وضيق الكراسي المكسورة، وبعد ساعتين ونصف عبرنا الحدود ونحن سالمون... وبعدها بأقل من ساعة أغلقت الحدود وأرجع بعض البحرينيين النازحين إلى داخل لبنان.
بعد مسير ساعة ونصف أخرى لم نتحمل... فطلبنا من السائقين أن يتوقفوا حتى يتمكن الجميع من استخدام الحمامات التى زاروها آخر مرة قبل 6 ساعات... بعدها واصلنا السير بمحاذاة بعلبك وكان القصف الجوي قريباً جداً منا ونراه بوضوح... وفي الساعة الخامسة عصراً وصلنا إلى مطار دمشق الدولي. وهنا بدأت تتجلى فوضى ترتيبات سفارة البحرين التي لم نرَ منهم أحداً ينتظرنا... وقفت الباصات ونزلنا منها، والسائقون أنزلوا الشنط ووضعوها في وسط الشارع وبين السيارات العابرة، وكل بحريني مسكين يبحث عن شنطته خوفاً من فقدانها أوسرقتها وسط الفوضى الكبيرة خارج المطار، وكل منا أخذ شنطته ودخل إلى المطار واختفى بين الجموع وضاع.
السفارة البحرينية في سورية لا يقع عليها لوم كبير لأنهم فقط اثنان... السفير والقنصل... والشخص الثالث في إجازة (خوش سفارة) واللوم، كل اللوم يقع على وزارة الخارجية التي ليست لديها سفارة في لبنان، وتضع سفارة في سورية تخدم بلدين يزورهما العدد الكبير من المواطنين، وعدد موظفي السفارة شخصان فقط، وفي ظل هذه الظروف الصعبة فإن وزارتنا لم تكلف نفسها بإرسال عدد إضافي من الموظفين... شوفوا كيف الدول الأخرى تحترم مواطنيها وتخاف عليهم، ونحن أصبح الكل ينظر إلينا بالكثير من الشفقة، متفرقين وضائعين في المطار الذي له قصة أخرى سأكملها غداً... اقرأوها إذا أردتم معرفة المزيد من معاناتنا في مطار دمشق وطريقة الترحيل إلى البحرين التي هربت منها
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1410 - الأحد 16 يوليو 2006م الموافق 19 جمادى الآخرة 1427هـ