اليوم هو الجمعة... والساعة الآن السابعة والنصف مساءً... وأنا في بداية كتابتي لهذا العمود... يرن هاتفي النقال والمتحدث هو صديقي هيثم الشروقي ومعه عبدالرحمن شريف يسألون عني للإطمئنان على سلامتي، وإذا بدوي انفجارين كبيرين بالقرب من سكني، لقد سمع صديقي الانفجارات وهو يتكلم معي، فعرف بأني في وسط ورطة كبيرة... إذاً هم الآن يقصفون بيروت الغربية، بعد أن ضربوا في الصباح الباكر الضاحية الجنوبية، ومتى؟ الساعة الخامسة صباحاً.
أيقظونا من النوم في الساعة الخامسة صباحاً على دوي الانفجارات في الضاحية الجنوبية، ولقد كان خير إفطار لنا... وهم الآن يضربون بيروت الغربية حتى يطمئنوا بأن يكون عشاؤنا جيداً جداً... ولعلم القراء فأنا ساكن في بيروت الغربية (وهو الجزء الذي يسكنه الغالبية المسلمة) والضاحية الجنوبية ليست بعيدة عنا، وعموماً فإنه اعتباراً من صباح يوم الخميس الأول من أمس فإن الحركة في لبنان أصبحت على غير العادة... الشوارع خالية، والمحلات التجارية مغلقة، والأسواق خاوية، حتى منطقة السوليدير أصبحت مغلقة، وبيروت تحولت بقدرة قادر إلى مدينة للأشباح.
الجيش اللبناني منتشر بكثرة حول بيروت، ومسيطر على الأماكن الحساسة... وبعض الشوارع أصبح السير فيها خطراً، وعندما قررنا الخروج من لبنان عن طريق دمشق ضربت الجسور جميعها وأغلق الشارع... مطار بيروت ضرب في يوم الخميس وأكمل عليه في يوم الجمعة... السفارات الأجنبية والعربية أصبحت تجمع رعاياها في محيط السفارة ومن ثم ترحلهم عن طريق الشمال المار على مدينة طرابلس ومنها إلى مدينة حمص في الجمهورية السورية ومنها إلى دمشق.
المشكلة الرئيسية لنا نحن البحرينيين الموجودين في لبنان أنه ليس لدينا سفارة (وهذا موضوع سنطرحه ونناقشه في يوم آخر)... الموجود هنا هو شخص لبناني لديه الجنسية البحرينية، ويقوم هذا الشخص بتجميع البحرينيين عند فندق فينيسيا (وسط بيروت) في الساعة السابعة صباحاً، ومن ثم يتم توفير باصات سياحية تنقلهم إلى مطار دمشق في رحلة شاقة وخطرة تستغرق أكثر من 6 ساعات وعند وصولهم إلى المطار يكون أعضاء سفارة البحرين في سورية بانتظارهم ليتم ترحيلهم إلى البحرين... الآن هناك عدة مشكلات في هذه الرحلة، أولها أن منطقة فندق فينيسيا غير آمنة، وثانيها أن منطقة الحدود اللبنانية السورية مكتظة بالنازحين الهاربين بجلدهم، وثالثها أن مطار دمشق لايستوعب الرحلات والفنادق فالمدينة مملوءة عن آخرها.
بالأمس... وفي يوم الجمعة... أطفئت الكهرباء عن بيروت من الصباح وحتى الساعة السادسة مساءً، ولقد أصبحنا في حال تعيسة لأن جميع المصاعد للبنايات توقفت عن العمل، وجميع المحلات التجارية أغلقت أبوابها «يعني لا أكل ولاشرب» وجميع محطات الوقود توقفت عن العمل «الحمدلله أني قد ملئت خزان سيارتي بالأمس» وأصبحت الشوارع خالية، والطرقات التي تكون عادة مزدحمة باتت طرقات بلا حركة... الحركة الكبيرة كانت في البنوك التي توجد خارج بيروت، فالعدد الكبير من الموجودين هناك كانوا من الزبائن الذين يسحبون جميع ما لديهم من مدخرات..
في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم ستتحرك آخر سيارة تنقل البحرينيين إلى خارج لبنان عن طريق المعبر الوحيد المتاح حالياً، وبعدها سيكون المصير المجهول لمن لم يتحرك ويخرج من بيروت وينجو بعمره... القصف الجوي مازال متواصلاً، والقصف الأرضي (المدفعية) يتواصل، والدبابات تتحرك إلى الشمال، والسفن الحربية والزوارق تمنع جميع السفن التجارية من الدخول إلى المرفأ البحري، الطائرات الإسرائيلية ترمي علينا المناشير وتخبرنا عن الأماكن الخطرة التي من الممكن أن تتعرض للقصف، ولكن تلك التابعة لحزب الله فهي تضرب من دون أي إشعار مسبق، ومنذ قليل (وأنا أكتب لكم) تم قصف مقر ومكاتب حزب الله الموجودة في حارة حريك القريبة جداً منا، واليوم (السبت) من المؤكد أن يتأزم الموقف ويزداد سخونة.
البحرينيون في لبنان أصبحوا يتلقون رسائل عبر الهاتف (مسجات) من بتلكو تخبرهم فيها بضرورة الاتصال بالموظف المسئول عنهم هنا، وتبعث (مشكورة) بالرقم الخاص، وذلك حتى يتم نقلهم إلى الخارج... وغداً نتكلم عن طريق الهروب
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ