العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ

الفتنة الطائفية متنفس للمشروع الأميركي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

إن حقوق الإنسان واحدة من الأهداف السامية والكبرى التي أرادت الرسالة الإسلامية أن تحفظها وتحميها وفق قاعدة احترام البشر جميعاً، بصرف النظر عن هوياتهم العرقية وحتى عن انتمائهم الديني، إذ يشمل عنوان الرحمة في حركة الرسول الناس جميعاً: «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين». وبالتالي فإن عدم الموافقة الإسلامية أو الاعتراض الشرعي على بعض البنود في هذا الإعلان أو ذاك، لا يمكن أن يصنف في دائرة الرفض لحقوق الإنسان الأساسية التي أقرها الإسلام وتحرك لتطبيقها، سواء في مجالات حرية الفكر أو التعبير أو لجهة حق الإنسان في التعلم أو في العيش الكريم واحترام حقوق المرأة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها وما إلى ذلك.

إن للشريعة الإسلامية مفهومها المتكامل حيال حقوق الإنسان، ولا يعني ذلك بالضرورة رفضها للكثير مما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن ليس من الإنصاف بمكان أن يوضع الإسلام في خانة العداء لحقوق الإنسان إذا تم الاعتراض من جانب العلماء والمسلمين أو الحركات الإسلامية على بعض الأمور التي قد تتعارض مع ما في الشريعة أو مع تصورها العام لهذه المسألة، إذ ان لكل فكر أو دين تصوره حيال صوغ المستقبل الأفضل للبشرية، فإذا وقف البعض ليتهمنا بأننا نعارض كل شيء تحت عنوان الشريعة لمجرد الاعتراض على بعض الفقرات أو البنود هنا وهناك، فإننا نسأله: هل يمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شريعة قائمة بذاتها ولا يجوز الاختلاف مع بعض مما ورد فيه؟

إن علينا أن نؤصل بعض المفاهيم فيما هي مسألة حقوق الإنسان حتى لا يختلط مفهوم الشر بمفهوم الخير، وحتى لا ننظر إلى الذين يعملون على تحرير بلدانهم من الاحتلال من زاوية معقدة لنصنفهم في خانة الإرهاب والتطرف وما إلى ذلك. وإن كنا في المقابل نرفض استخدام الوسائل غير الشرعية حتى في مواجهة المحتل، ولا نصنف الاعتداء على المدنيين والأبرياء في خانة المقاومة الشريفة ضد الاحتلال. وإذا كان بعض المسلمين يقومون بأعمال إرهابية، فهذا لا يعني أن الإسلام يقبل بذلك، ولابد هنا من البحث عن أسباب ذلك، إلى جانب تسليط الضوء على الاستغلال الأميركي لهذه المسألة ووضعها في نطاق الحرب على الإرهاب باستهداف الإسلام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

إننا نلاحظ أن الاختلال في موازين القوى في هذا العالم غالباً ما يفضي إلى اختلال في ميزان حقوق الإنسان، فترجح كفة القوي ويبحث العالم عن حفظ حقوقه، بينما تهبط كفة الضعيف ولا يجد من يقف إلى جانبه ليحميه ويدافع عن حقوقه، وهو ما يستدعي معالجة على مستوى القاعدة، وهو ما لا تملك حتى منظمات حقوق الإنسان أن تعالجه، لأنها غالباً ما تكتفي بدور الشاهد أو تبادر إلى تسجيل النقاط على هذه الحكومة أو هذا المحتل أو ذاك الحاكم. ومع أن لذلك أهميته في هذا العالم الذي تموت فيه القيم ويسحق فيه الضعيف على مذبح المطامح والمطامع الدولية، إلا أن المسألة تحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، سواء على مستوى تأصيل القواعد الثقافية والقانونية لمواجهة هذا الظلم الذي يتجلى في ترك الأمور للقوي ليفسر القانون بحسب مصالحه، أو على مستوى البحث عن الآلية المناسبة لمواجهة هذا الطغيان الدولي العام الذي لم تعد فيه الأمم المتحدة تمثل مصدراً حاسماً من مصادر حماية الضعفاء، بل تحولت إلى قاعدة لتشريع حروب الأقوياء ضد الضعفاء.

ولا يعني ذلك أننا نقلل من أهمية وجود منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان وتلاحق الإدارات والحكام لتكشف زيفهم وإسرافهم في الظلم وانحرافهم عن الخط، لأننا نعتقد بأن وجود حالات من هذا النوع وخصوصاً في ظل هذا الإصرار من قبل الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة على القبض على الأمم المتحدة يمثل حاجة إنسانية كبرى وحاجة سياسية ملحة في ظل هذا الإفراط في التعدي على حقوق الإنسان وخصوصاً إنساننا الفلسطيني الذي تنتهك حقوقه يومياً على مرأى ومسمع من العالم، وإنساننا العراقي الذي لاقى ويلاقي كل حالات التعذيب والظلم جراء الاحتلال، سواء فيما كشفته وسائل الإعلام من فضائح سجن أبوغريب أو الفضائح الأخرى التي تتوالى ومن بينها إقدام أحد جنود الاحتلال على اغتصاب فتاة عراقية ثم قتلها وقتل أفراد عائلتها.

إن الدفاع عن حقوق الإنسان يمثل مهمة عبادية تماماً، كما هو مهمة إنسانية وسياسية، وخصوصاً إذا انطلق هذا الدفاع من وحي الاندفاع الإنساني الخالص الذي ينطلق من الجانب الفطري بصرف النظر عن هوية الإنسان المظلوم أو المضطهد الذي يراد لنا أن ندافع عنه لأننا نعتقد أن ذلك يلتقي مع القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، ولأن الأديان جاءت من أجل الإنسان، بل إن الدين يمثل حركة خير وعدل لحفظ الإنسان في الدنيا والآخرة. ولذلك فإن على المنظمات التي تتحرك في مجالات حقوق الإنسان أن تؤكد استقلاليتها التامة، وألا تخضع في قراراتها لضغط الدول الكبرى، وأن تعمل على تثقيف الناس بحقوقهم الإنسانية حتى يميزوا بين ما هي حقوقهم الطبيعية وبين كل محاولات الاستغلال لهذه الحقوق وتوجيهها وفق ما تقتضيه مصالح الدول المستكبرة والطاغية.

ولهذا فإننا نحتاج إلى حوار حضارات على المستوى الجدي، لأن الحضارات قد تختلف في بعض مرتكزاتها أو أساليبها في مسألة حقوق الإنسان نتيجة اختلاف الفلسفة التي ترتكز عليها، فيأتي الحوار ليضع القواسم المشتركة فيما هي حقوق الإنسان حتى لا ندخل في صراع حضاري يمكن أن يراكم السلبيات، وخصوصاً في ظل طغيان سياسة الظلم عالمياً. ونحتاج إلى نوع من الحوار والتواصل الشفاف والصريح بين الأديان، وخصوصاً بين الإسلام والمسيحية واليهودية حتى نحقق القاعدة الرسالية المشتركة، وحتى لا تتحول الأديان إلى حالات عصبية يختنق فيها أتباع الرسالات ويموت فيها الدين على مذبح التعصب والانغلاق.

إن ما يجري في فلسطين المحتلة هو الدليل الحاسم على سقوط مشروع حقوق الإنسان العربي والمسلم لحساب مشروع الوهم الإسرائيلي بشأن حقوق مزعومة لهم في فلسطين والمنطقة، ولعل ما يبعث على الأسى يتمثل في غياب أي مشروع عربي حقيقي لحماية إنساننا في فلسطين والعراق، وغياب أي مشروع إسلامي متكامل لمواجهة ما ينفذ من مخطط تفتيتي في الأمة لحساب «إسرائيل».

وإذا كانت المرحلة الحالية هي مرحلة العدوان المتواصل على الأمة والضغط على ما يعتقدونه «البطن الرخو» في فلسطين والعراق، فإننا نتصور أن المرحلة المقبلة هي مرحلة التهويل الإعلامي والسياسي لاستثمار المخططات التفتيتية في إطار إعادة اللحمة إلى المشروع الأميركي الذي بدأ يتداعى على مستوى المنطقة، ولا يجد الأميركيون من متنفس له إلا عبر الفتن الطائفية والمذهبية التي يعملون على إيقاد نيرانها في العراق ويريدون لها أن تمتد إلى حيث يطمح المشروع أن يتمدد بعد الكدمات التي أصابته وتصيبه في أكثر من موقع. إننا ندعو كل من هم في موقع المسئولية على مستوى الأمة والوطن أن يتحملوا مسئولياتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان عندنا وحفظ كرامته وصون حرياته، لأن ذلك هو السبيل الأجدى لمواجهة مشروعات الهيمنة الخارجية، لأننا إذا عجزنا عن بناء أجيال حرة وعقول واعية لا يمكننا أن نواجه مشروعات الفتن ومخططات الهيمنة التي ترسم خطوطها على مستوى العالم وتنفذ تجاربها في أرضنا

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً