من الثابت أن الذي يسعى إليه أسامة بن لادن، ويحلو للبعض، من دون سند على ما يبدو، وصفه بالشيخ لسبب ما، لا أعرفه، لكنني أعتقد جازماً أنه لقب يحمل في أحشائه الكثير من التبريرات، إن لم أقل التخديرات، غير المنطقية التي يريد محاربوه ومناصروه إسباغها على جملة الأعمال الخارجة على الفطرة البشرية لتدخل في الغموض والتيه الذي يستزرعه التباغض المفضي إلى سلوك يبتعد عن منطقته الآدمية وحيزه البشري ليدخله في بيئة الضواري والوحوش الكاسرة. كما أنه، أي اللقب، يضفي عليه شرعية وقدرة على المناورة، يتدثر بها مخفياً فجائعيته عن أعين مناوئيه من الحكومات والشعوب ويخرس بها كل من تسول له نفسه الاعتراض، وتهبه الشجاعة على لي النصوص المقدسة وتطويعها لخدمة نزواته التي ترسف بأنا بالغة التورم، شديدة الحقد والكراهية للآخر.
وثمة رأي يعزى لثلة من المتعالين على جنس البشر، المتشبهين بجنس الملائكة، يعزز ما نذهب إليه في هذا الصدد. وتأملوا معي هذه المفردات التي يضج بها الإعلام العربي، المرئي والمقروء، مثل الجماعة، وكأن لا جماعة إلا تلك التي ينتمون إليها، والتآمر على العرب والإسلام، في إحالة ماضوية تفتقر إلى المنطق في قراءة التحولات العالمية في الفكر والقيم والأخلاق. أقول إن الذي يسعى إليه بن لادن هو بسط جحيم قراءاته وتصوراته لفكر ظهر في الأساس لتخليص الإنسانية من القهر والاستبداد، لا أن يستبد به النص، ليدخلها هو، بن لادن، في متاهة البؤس والضياع، ليعتاش على حدة ألم الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا بحد ذاته، في تقديري، ينبغي أن يكون لنا دافعا للتفكير في ضرورة الاستشفاء النفسي والاغتسال الروحي والتطهر من أدران ذلك الحقد الذي عصف بالفكر العربي منذ تمهدت الأرض أمام الإسلام السياسي ليعتلي المشهد العربي العام.
على نحو ما يتبدى في مجمل العمل الجهادي الذي يقوم به «تنظيم القاعدة»، بإيعاز من الممول، وصاحب الحظوة القدسية، فان «الشهادة هي أمضى أسلحته، والتقتيل بتجليات صوت انفجاراته في أجساد البشر الذي يعلن انتقال «المجاهد» إلى بارئه مكللا بغار عز الأمة وانتصارها! وليحدث بعدها ما يحدث بعد أن يكون حصل على ضمانة الاسترخاء في أحضان حور العين والاغتسال بماء الجنة وحليبها، وهذا النوع من التفكير يطرح أسئلة ملحة لمكابدة هذا التوجع، وهذا الانغماس الجاهلي في فهم الدين ومحاورة نصوصه.
وإذا كان الجهاد وما يتمخض عنه من استشهاد يرتضيه المؤمن نهاية سعيدة لوقت انقضى في عمل يرضي الله ورسوله. فهل ان ذلك الكره للحياة وبغض كل ما هو غير عربي وغير مسلم، وحتى غير سني، الذي تستدخله «القاعدة» ويشيع فهمه قادته، وعلى رأسهم بن لادن والظواهري، بين مريديهم، لديه القدرة على وقف تدهور حال العرب والمسلمين أم ان ذلك هو ما يدخلهم في مشكلات لها أول وليس لها نهاية؟
وإجابة على هذا السؤال الذي يزن كل إمكانات العرب الحضارية ويضعها في موقع المساءلة الأخلاقية، أنوه إلى أنني أبعد، بكثير من أن أكون أصدر حكماً فقهيّاً، فهذا مبحث له متخصصوه وينالني منه 00 في المئة، وان كنت أشك بدرجة تصل بي حد اليقين في أن رأيا واحدا بهذا الخصوص لن يكون متوافرا، نظراً إلى نسبية تثمين العمل الجهادي وتفاوت مدارسه، لكنني من واقع تقديسي للحياة وانتمائي الكلي إلى كرامة الإنسان، وفهم عام يفضي إلى أن أأخذ موقفا سلبيا من كل عمليات القتل العشوائي والتجريف البشري! الذي تمارسه «القاعدة» على مظنة الشهادة التي يتقولها تيار الإسلام السياسي في عموم خطابه الذي يستدر استجابات الشباب لعمل يخرجه عن جادة النضال الحقيقي من أجل حياة أفضل. وبالعودة إلى السؤال أقول ان العرب بحاجة إلى استراحة ووقف محاربة أعداء متوهمين تكون حصاداته في النهاية تدميرا للذات، والالتفات إلى خلق بيئات اجتماعية متحابة يكون فيها التسامح والمساواة مبدأ ننسج خيوط علاقات أفراده وصولا إلى فهم الآخر وتفهمه، وبناء علاقات معه قائمة على تبادل المصالح، ونبذ جميع أشكال الادعاء الكاذب بتميزنا عن باقي أمم الأرض.
إذا كانت الحروب من أجل تحرير الأوطان لها قدسية، وعديم الشرف ذلك الذي يتردد في خوض غمارها من أجل مجد الوطن، إلا أن الانخراط فيها يحتاج إلى قراءة صحيحة لواقع المجتمع، واختيار اللحظة المناسبة لبدئها. وإذا كانت موازين القوى تميل إلى صالح العدو فان قرار الحرب يتساوى ولحظة الانتحار ذاتها، وبهذا المعنى كيف لنا أن نثمن هذا الذي ترغمنا «القاعدة» على تمثله والانصياع لما هو أشبه بالجحيم المعروفة نتائجه، فليس وعد الناس بالشهادة هو كل ما يكفي لمحاربة العدو، فالحرب ذاتها والاستشهاد فيها هو من أجل حياة أفضل، إذ إن الحياة تستمد قدسيتها من لحظة اختيار الشهادة طريقا لبناء الوطن، فهل خيار الحرب في العراق، مثلا، هو الخيار الوحيد المتاح؟هل استنفد العراقيون جميع الوسائل حتى يكون خيار الحرب هو الخيار المتبقي؟ وهل من مصلحة العرب اختلاق الأعداء ومن بينهم الدولة السوبر قوة، التي تنفرد بصوغ ملامح القرن الجاري دونما الرجوع إلى ما كان يحكم العالم من توازن مطلوب؟ ثم أليس المطلوب، في هذه المرحلة هو الاتزان النفسي، إن غاب التوازن الدولي، في صوغ قرارات مصيرية مثل الحرب التي هي الآن تحصد الآلاف في العراق في متوالية عددية تصاعدية مرشحة باضطراد للزيادة إذا لم تنحُ حماس، جرحنا الجديد، ولا أقول فخرنا، المنحى الواقعي في قياس القدرات الذاتية والإقرار بضيق ذات القوة، وعدم المكابرة وترك العنان للذات كي تنتفخ للدرجة التي تعوق رؤية الأشياء كما هي، عند المقارنة بين الذات ذاتها وبين «إسرائيل»
العدد 1401 - الجمعة 07 يوليو 2006م الموافق 10 جمادى الآخرة 1427هـ