العدد 1400 - الخميس 06 يوليو 2006م الموافق 09 جمادى الآخرة 1427هـ

رحلة تحرير الاقتصاد الروسي تبدأ بتدويل الروبل الحالة الراهنة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اعتباراً من مطلع هذا الشهر شرعت روسيا في تنفيذ مشروعها المالي الاستراتيجي الهادف إلى تحويل عملتها الوطنية الروبل إلى عملة دولية تنافس الدولار والعملات العالمية الصعبة الأخرى، فبادرت إلى رفع جميع القيود المتبقية المفروضة على دخول وخروج العملات، الأمر الذي يعتبر خطوة في اتجاه جعل الروبل الروسي عملة قابلة للتحويل من وإلى أية عملة أجنبية، وبحرية مطلقة.

وقبل صدور هذا القرار، كان القانون يلزم الأجانب الذين يحولون أموالا إلى روسيا بوضع وديعة بهدف حماية أموالهم من تقلبات السوق. كما كان يلزم المواطنين الروس الذين يرغبون في تحويل أموالهم إلى حسابات أجنبية بوضع ربع قيمة المبلغ المطلوب تحويله في حساب بالبنك المركزي الروسي.

وعن انعكاسات هذه الخطوة على الاقتصاد الروسي المعاصر، أشار وزير المالية الروسي اليكس كوردين إلى إنه يتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تدفق استثمارات خارجية على روسيا بعشرات المليارات من الدولارات. كما نقلت وكالة الأنباء الروسية «ايتار تاس» عن وزير المالية الروسي قوله إن الانتقال إلى مرحلة التحويل الكامل للروبل هو مؤشر على وضع النظام المالي الروسي في الوقت الراهن.

ويرى خبراء أنه تتوافر فرص كبيرة لكي يصبح الروبل إحدى عملات العالم الرئيسية، ولكن المطلوب، حتى يحدث هذا إضافة إلى إطلاق حرية التعامل مع الروبل، نمو الاقتصاد الوطني.

غير أن محللين آخرين حذروا من أن يؤدي رفع كل القيود على الروبل إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار في روسيا، وذلك إذا شعر المستثمرون الأجانب بأن العملة الروسية تتجه للارتفاع واتجهوا لشرائها بكميات كبيرة، الأمر الذي قد يؤدي لارتفاع قيمتها وبالتالي ارتفاع الأسعار. كما حذر محللون آخرون من إمكان تدفق الأموال الروسية إلى الخارج بعد إلغاء القيود على تحويل الأموال لخارج روسيا، الأمر الذي يضعف، ولو بشكل مؤقت من قدرتها التنافسية مع العملات الأخرى، وعلى وجه الخصوص القوية منها والتي يحاول الروبل التخلص من عناصر صغوطها عليه مثل الدولار واليورو.

وفي شهر مايو/ أيار الماضي، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وضع خطة لرفع القيود المفروضة على الروبل الروسي تنفذ اعتبارا منذ مطلع يوليو/ تموز، وذلك قبل أسبوعين من اجتماعات قمة الدول الثماني التي تعقد في مدينة سانت بيترسبرج الروسية.

وأمام روسيا سبيلان لتحقيق هذا الهدف: أحدهما تصدير كميات كبيرة من الروبلات إلى الخارج، بحيث يصبح من حق التجار والسياح الروس استخدام الروبل لشراء السلع والخدمات في أراضي البلدان الأجنبية. وبدئ بتسوية المدفوعات بالروبل في الصين. وأبدى عدد من البلدان الأعضاء في رابطة الدول المستقلة وتركيا استعدادا لتسوية المدفوعات الناجمة عن المبادلات التجارية بالروبل. غير أن الدول المتقدمة لا ترغب بعد في التعامل مع الروبل الروسي في حين ان موقفها يحدد قرارات صندوق النقد الدولي إلى حد كبير. وتشكل الروبلات الروسية اثنين في المئة من موجودات الصندوق في الوقت الراهن. ولكي يصبح الروبل إحدى العملات الحرة يجب ان ترتفع هذه النسبة أربع أو خمس مرات.

والطريق الآخر وهو الأفضل، إذا لم تكن السلطات الروسية تريد الانتظار إلى ان «يغزو» التجار والسياح الروس العالم بالروبل بالطريقة الطبيعية. هذا الطريق، هو إنشاء بورصة النفط والغاز التي ستتعامل بعملة الروبل الروسية. ومن شأن ذلك ان يجعل الروبل الروسي عملة جذابة. ولا شك ان المستقبل الباهر ينتظر بورصة كهذه خصوصاً وان الطلب على النفط والغاز يظل مرتفعا. وبالتالي فإن الطلب على الروبل سيكون مرتفعا أيضا. وقد أبدت عدد من المناطق الروسية الغنية بالنفط في سيبيريا والأورال في استضافة البورصة. وهناك معلومات مفادها أن الحكومة الروسية لن تتخذ القرار بشأن تأسيس بورصة النفط الروسية قبل العام .

وتعود جذور هذا التفكير، أي تعويم الروبل إلى العام عندما فكرت روسيا في فصل سعر الروبل عن الدولار، فقد جدد تحسن سعر صرف الروبل الروسي مقابل الدولار النقاش بشأن دولرة الاقتصاد الروسي، وقد ذهب بعض السياسيين حينها إلى حد طرح فكرة أن تبيع موسكو نفطها باليورو في فترة لاحقة.

وكان سعر صرف العملة الروسية قد وصل حينها تحت عتبة روبلا للدولار الواحد، وهو مستوى لم يسجل قبل أكتوبر/ تشرين الأول . وتناقلت وكالات الأنباء حينها تصريحات للرئيس فلاديمير بوتين عند لقائه مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر بأن روسيا لا تستبعد البدء ببيع نفطها باليورو، قد أثارت اهتماما كبيرا.

لكن وزير الطاقة إيغور يوسفوف قلل من حماسة أنصار البيع باليورو، معتبرا أن تقرير ذلك يعود إلى المشترين والبائعين وليس للحكومة. وقال يوسفوف في روما حيث رافق الرئيس بوتين إن مسألة دفع ثمن شحنات الغاز باليورو بحاجة إلى بحث. وأفاد البنك المركزي الروسي أنه غير مستعد لتعديل سياسته ولا هيكلية احتياطاته إذ إن في المئة منها بالدولار و في المئة باليورو.

حينها عبر نائب رئيس البنك المركزي الروسي أوليغ فيوغونين عن اعتقاده بأن سياسة الصرف لن تؤثر أبدا على الصناعة الروسية. وقال إن عملة مقيمة على أساس مستقل هي أفضل أداة لجذب الاستثمارات من عملة ضعيفة.

يشار هنا إلى أن في المئة من الصادرات الروسية الحالية ما تزال مسعرة بالدولار وخصوصا المواد الأولية التي تنخفض قيمتها فور تحويلها إلى الروبل بسبب ضعف سعر العملة الأميركية.

يذكر أنه خلال السنوات الأخيرة عملت موسكو بشكل متزايد على رفع القيود على أنشطة المصارف والأعمال التجارية. وفي منتصف العام دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى مزيد من التنظيم للقطاع المصرفي في روسيا لكنه حذر من اي اجراء واسع النطاق ضد المصارف. ونقل عن بوتين حينها قوله لرئيس البنك المركزي الروسي سيرجي اجناتييف «اناشدك التحرك بشكل حازم ودقيق. امل انك لا تخطط لاي حملات تطهير واسعة وشيكة للنظام المصرفي». وجاءت تعليقات بوتين بعد ساعات من اعلان البنك المركزي الروسي خطوات لدعم السيولة في القطاع المصرفي بخفض الشروط الالزامية في ما يتعلق باحتياطيات المصارف وخفض سعر فائدة اعادة التمويل (الريبو) بمقدار نقطة مئوية واحدة الى في المئة.

وأتت تلك التغييرات في اعقاب قلق من ضعف السيولة، بعد ان اثار اغلاق مصرفين صغيرين حينها مخاوف من ان البنك المركزي قد يبدأ حملة لتطهير القطاع المصرفي المتشرذم في روسيا. وكان اجناتييف قد أآكد حينها ان النظام المصرفي في روسيا سليم وان الزيادة المنتظرة منذ فترة طويلة في اسعار الفائدة في الدول الغربية لن تسبب مشكلة لروسيا. وقال رئيس البنك المركزي لبوتين «السوق تتوقع هذا. وعندما يحدث فانه لن يثير اي كارثة لروسيا». لكنه اضاف قائلا «انه قد يقلل بشكل طفيف تدفقات رؤوس الاموال الى روسيا ويزيد تدفقات رؤوس الاموال منها». وقال اجناتييف ايضا ان البنك المركزي سيحاول التقيد بوعده عدم السماح لقيمة الروبل الروسي بان ترتفع هذا العام بشكل أكبر مما هو ضروري لايجاد الظروف العادية للنمو الاقتصادي.

ليس هناك شك في أن خطوة الرئيس بوتين تعني عدم الرغبة بل وحتى القدرة على العودة إلى الوراء، الأمر الذي يعني أيضا أنها لم تكن خطوة اعتباطية، بقدر ما هي خطوة مدروسة سبقتها إعدادات كثيرة تمهد الطريق أمامها، وتحمي عناصر نجاحها.

ما هي تلك الخطوات... وكيف تم الإعداد لها... وما هي ضمانات نجاحاتها؟ هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذا المقال

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1400 - الخميس 06 يوليو 2006م الموافق 09 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً