تموج الذاكرة بقافلة من المشاهد الجميلة والأوقات الممتعة والصخب الذي لا يهدأ، ومصدره جمال الطبيعة الغناء التي يحظى بها خليج توبلي، واحتوائه على ثروات وبيئات طبيعية يندر وجودها في خلجان أخرى، ولكن تلك الصور تتمزق وتنحدر إلى أسفل الجبل، حين تنظر بانكسار إلى ما يحدث في الخليج يوميا من عمليات تدمير بيئية متعمدة يقوم بها ابن الوطن، ويدفن البحر والتاريخ والذاكرة. ما ان ترفرف طيور الخليج الهاجرة وتعلن استيقاظها في صدر السماء، تلوح في الأفق بقايا أمل تلحظه في عيون الأهالي والمهتمين ومن عاشوا وتربوا في أحضان هذا الخليج، أن تعود الحياة اليه، ويرجع «كما كان».
إذا كان للصمت سيمفونية - وهي حال من الصعب توصيفها أو تخيلها لأن الصمت بطبيعته ساكن - فإن ألحانه الكئيبة خيمت على أجواء خليج توبلي، ويستمر عزله والتغاضي عنه والإمعان في دفنه وردمه والقاء المخلفات والملوثات في مياهه، من دون اكتراث لحجم الخسائر البيئية الفادحة التي لا تعوض جراء ذلك. وفي المقابل يستمر أيضا صمت المسئولين والمعنيين في الحكومة تجاه هذه القضية الوطنية، وهم مطالبون اليوم بفتح ملف خليج توبلي، وتقديم صورة حقيقية لما يجري، واطلاع الرأي العام على الأسباب والدواعي التي أدت إلى حدوث خسائر بيئية فادحة للخليج من الصعب أن تعوض، ولا نريد مزيدا من الهدم البيئي وقتل ثرواتنا الطبيعية، خصوصا وأن هناك تشريعات قانونية تمنع دفان البحر، واستملاك الأراضي المجاورة للبحر باعتبارها ارثا تاريخيا للشعب، والتعرض إلى البيئة البحرية بالتخريب والدمار. غياب الرقابة الحكومية الفاعلة في هذا الجانب أثر بشكل كبير، وجعل أصحاب المصالح الخاصة يستمرون في عبثهم البيئي لارضاء نزواتهم المؤقتة، والتي أتت على حساب الصالح العام والحفاظ على بيئة الخليج واستمرار عطائه والاستفادة من خيراته. هذه الرقابة يجب أن تفّعل عن طريق السلطة التشريعية داخل المجلس الوطني، وتطرح القضية جديا وموضوعيا لحل اشكالاتها العالقة. وخصوصا ما يتعلق بالدفان والأراضي المستملكة، والتي نسمع أنه تم شراء مياه داخل الخليج لاستملاكه بأكمله، واذ كان ذلك فعلا فهو الانذار الأخير.
ومطلوب أيضا التحرك العاجل من قبل السلطات التنفيذية لمحاسبة من تسول له نفسه التعدي على ممتلكات الشعب وتطبيق القوانين الصادرة التي تحمي الخليج. وعلى المعنيين في شئون البيئة والباحثين والمهتمين تقدير الأوضاع البيئية للخليج، وتقديم الرؤى والحلول والمعالجة والمشاروعات التي تعيد الحياة إلى الخليج والبسمة على شفاه المواطنين.
لم يتعرض الخليج طيلة القرون الماضية لمثل ما يتعرض له اليوم من هجمة بيئية شرسة، ونحن في أوضاع سياسية منفتحة ومشجعة بفضل المشروع الاصلاحي لجلالة الملك، تمنع وقوع مثل هذه التجاوزات والاستهتار غير المبرر. لسنا مستعدين لتقديم تنازلات أخرى، ويبقى الخليج عنوانا للحفاظ على البيئات الساحلية في البحرين
العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ