العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ

خطوة خطيرة تهدد مستقبل المنظمة العالمية

خطاب بوش للعالم...

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

عندما طلب العالم من الرئيس جورج بوش عدم التفرّد بالذهاب إلى الحرب على العراق، لم يكن ينتظر أن يكون خطاب الرئيس الأميركي على هذا الشكل. ففي هذا الخطاب، سرد الرئيس بوش انتهاكات الرئيس صدّام حسين لقرارات مجلس الأمن. فالعراق لا يزال يسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل. ولا يزال يطوّر ترسانة الصواريخ البالستية. كذلك الأمر، لا يزال يهرّب النفط عبر سورية وإيران. يضاف إلى كل هذا، انتهاكه الكبير لمبادئ حقوق الانسان. وفي مقابل هذه الانتهاكات لقرارات مجلس الأمن أراد الرئيس بوش إظهار عجز هذا المجلس. فهو إما موجود، أو ان الوضع العالمي تخطاه. فإذا ما كان موجودا، فعليه العمل بسرعة. وإذا ما كان غائبا، فان الولايات المتحدة ستخوض الحرب منفردة، وتعلن انسحابها من هذه المنظمة الدولية. يدل هذا الخطاب على ان التفرد الاميركي ثابت، ولكن من ضمن غطاء التعددية. أو كما يقول روبرت كاغان في الواشنطن بوست: «إن غالبية التعدديين الأميركيين، هم آحاديون في قلوبهم.

ماذا يستنتج من روحية الخطاب؟

بدا الخطاب وكأنه موجه ضد الأمم المتحدة «مجلس الأمن» في سياق نقده للعراق. وتحول الوضع من محاولة رسم مصير العراق المستقبلي، إلى وضع مصير الأمم المتحدة في مهب الريح. وبدا في هذا الوضع، وكأن الحرب على العراق أتت كتفصيل صغير في صورة الاستراتيجية الكبرى للإدارة الأميركية الحالية. وقد يتحول ويتركز الحديث لاحقا، حول مصير هذه المنظمة العالمية، بدل الحديث عن الوضع العراقي وقد يبدو فشل الأمم المتحدة، في الرد على تحدي الرئيس بوش وكأنه مناسبة نادرة لخلق منظمة بديلة تتناسب مهماتها مع الوضع العالمي الجديد والمخاطر الجديدة التي بدأ تظهر. فعصبة الأمم أتت نتيجة الحرب الأولى الأكثر دموية، في تاريخ الحروب الأوروبية. وأنشئت الأمم المتحدة الحالية عقب انتهاء الحرب الثانية. فلماذا لا تبتكر منظمة جديدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول؟ وفي كل الحالات، «العم سام» هو الرابح الأكبر.

من خلال الخطاب، أراد بوش إبلاغ العالم بطريقة متعالية، أن قواعد اللعبة تغيّرت. ومن أراد الانخراط في اللعبة الجديدة، ما عليه إلا أن يتصل بالبيت الأبيض. وإذا كان غير متوافر، فقد تؤخذ المعلومات من البنتاغون. فالذين يعتقدون بالقانون الدولي، بالمعاهدات وغيرها، هم واهمون بالتأكيد. تبدو إسرائيل في هذا الإطار وكأنها الدولة الوحيدة في العالم التي فهمت القواعد الجديد، وبدأت تنخرط بها من خلال ما تنفذه في الأراضي الفلسطينية.

أعلن بوش أيضا أن اميركا ستعود إلى اليونيسكو، محاولا تثبيت واسترداد صورة اميركا الثقافية والحضارية. ومن يدري فقد تتحول الامم المتحدة من خلال ممارسات الرئيس إلى لقاء ثقافي حضاري فقط؟

شدّد الرئيس بوش علي حق الفلسطينيين في أن يكون لهم حكومة شرعية شفافة، تخدم مصالحهم وتستمع إلى اصواتهم. يستدل من هذا ان قرار التغيير للرئيس ياسر عرفات قد اصبح مبرما.

ركز الرئيس بوش على حرية الولايات المتحدة في الذهاب إلى الحرب عندما ترى ان صالحها مهددة. لم يقدم الرئيس بوش أي اثبات حسي عن سعي الرئيس صدام لامتلاك السلاح النووي، فالامر اصبح ثانويا. وقد يعزز ويثبّت هذا الامر، مفهوم «الضربات الوقائية»، الذي أطلقه بوش في خطاب كلية «وست بوينت». الضربات الوقائية في المطلق، لا تعتمد على معلومات حسية دقيقة فقط. لا بل هي تقوم على مستوى الادراك الحسي للمخاطر المتأتية عن الآخر . إسرائيل ضربت المفاعل العراقي، من ضمن هذا المفهوم.

ما هي مفاعيل هذا الخطاب؟

ضرب بوش من خلال خطابه، مئة عصفور بحجر واحد. فعلى مستوى إدارته ، أتى الخطاب إرضاء للصقور والحمائم على السواء. فهو توجه إلى العالم عبر اهم منبر عالمي لعرض قضيته، الامر الذي يرضي كولن باول. كذلك الامر، هّدد الامم المتحدة بالذهاب منفردا في حال إذا ترددت عن تنفيذ صلب مهماتها، كما هدّد بالانسحاب منها. في هذا الشق، رضي الصقور الذين يريدون إدارة شئون العالم منفردين، وغير عابئين بالانظمة والمنظمات الدولية.

وعلى المستوى الدولي، أرضى بوش أيضا كل من: الحلفاء، الاصدقاء، والاعداء على السواء. فبغض النظر عن الموقف الانجليزي من العراق والمتماهي تماما مع موقف الادارة الاميريكية، ارضى الخطاب كل الدول الباقية. وقد يؤدي هذا الوضع إلى العمل من ضمن مجلس الامن للحرب على العراق. فهل هذا ممكن؟ إذا صدقت النوايا الاميركية، وإذا لم يكن القرار الحربي قد اتخذ، وإذ لم يكن البنتاغون قد حدّد ساعة الصفر لبدء المعركة، وإذا لم يكن خطاب بوش رفعا للعتب فإن مجلس الامن قد يكون مخرجا لحالتي الحرب والسلم. كيف؟

يبلغ عدد أعضاء مجلس الامن 15 عضوا، خمسة منهم دائمون وعشرة ينتخبون على أساس التوزيع القاري الجغرافي. الخمسة الاعضاء الدائمون يتمتعون من دون غيرهم من باقي الاعضاء بحق «الفيتو». ممارسة حق «الفيتو» يجعل أي قرار غير نافذ. للتصويت على أي قرار، وجب الحصول على تسعة اصوات من اصل 15، لكن من دون أي فيتو من الاعضاء الدائمين. هل يمكن لأميركا ان تصدر قرارا من دون نقض؟

قبل الرد علينا ان نشدّد أن أي قرار قد يصدر عن مجلس الامن، لا يمكن له ان يتجاوز المراحل الدبلوماسية للوصول إلى إعلان الحرب مباشرة. بطريقة أخرى، القرار سوف يشتمل على مراحل، تتدرّج من الهدوء إلى التصعيد ضد العراق وبالتدريج. وقد يعتمد اسلوب «التفتيش الاكراهي». آي التفتيش المدعوم بالقوة العسكرية الفورية، إذ تدخل «لجان التفتيش» أينما أرادت ومن دون موانع، تحت طائلة التدخل العسكري الفوري.

ماذا عن إصدار القرار من مجلس الامن؟

بعد الذهاب إلى الامم المتحدة، أصبحت قضية الرئيس بوش من العراق اكثر قبولا من المجتمع الدولي. فقد حلّ التعاون الدولي مكان التفرّد الاميركي، حتى ولو كانت الحرب المستقبلية ستخاض بقوة البندقية الاميركية منفردة. فكيف ستكون عليه مواقف اعضاء مجلس الامن الحاليين؟

1- بريطانيا مع الرئيس بوش قبل الخطاب في الامم المتحدة وبعده.

2- وفرنسا طالبت سابقا بدور لمجلس الامن في الحرب على العراق. حصل ما ارادت، الامر الذي قد يجعلها موافقة على الموقف الاميركي. ويبدو في هذا الاطار، ان فرنسا ،من خلال مجلس الامن تسعى للحصول على حصّة من الجبنة، خصوصا أنها عاجزة عن مجاراة الجبّار الاميركي في مختلف المجالات.

3- روسيا تريد استغلال المناسبة للانقضاض على اعدائها الشيشان، وهي اصبحت مقربة من «الاطلسي» من دون حق الفيتو. وهي الدولة الوحيدة التي أعلنت تأييدها علنا للحرب على الإرهاب. وهي سوف تأخذ مكاسب كثيرة في مرحلة ما بعد صدّام، على الأقل ثمن الاتفاق الذي عقد مع العراق حديثا. كذلك الامر، تريد روسيا ان ترتاح لمنطقة نفوذها المباشرة، خصوصا في جورجيا. من هنا تزامن تهديد الرئيس فلاديمير بوتين بدخول جورجيا لضرب الارهابيين مع الذكرى الاولى لضربة 11 سبتمبر. كذلك الامر تزامنت رسالته للامم المتحدة عن الوضع على الحدود مع جورجيا، مع خطاب بوش عن العراق. فلماذا يحق لاميركا ضرب العراق البعيد جدا عن حدودها، ولا يحق لروسيا درء الخطر عن حدودها المباشرة؟

4- تعوّدت الصين أن ترى العالم من خلال تعدّدية الدول في اتخاذ القرار. لذلك نراها تشدّد على العمل من ضمن المنظمات الدولية، خصوصا الامم المتحدة. ويكفي مثلا ان نُستشار في أي موضوع دولي، لتشعر بطريقة غير مباشرة آنها مهمة. الصين بحاجة للولايات المتحدة في المجال الاقتصادي. بحاجة ايضا لاميركا في موضوع تايوان. وهي استاءت بعد 11 سبتمبر من عدم إدراج اميركا اسماء منظمات صينية ارهابية انفصالية «في اقليم جينغ جيانغ الغربي»، على لوائح المنظمات الارهابية. لكنه يبدو ان اميركا ومن خلال ادراج اسماء هذه المنظمات حديثا على لوائح الارهاب، أرادت ان تسترضي الصين، وهذا كان. لذلك قد توافق الصين على اي قرار يصدر عن مجلس الامن او على الاقل تمتنع عن التصويت.

بعد الدول الدائمة لعضوية، يأتي موضوع الاعضاء غير الدائمين وهم : بلغاريا، الكاميرون، كولوميا، غينيا، إيرلندا، زر موريس، المكسيك، النرويج، سنغافورة واخيرا سورية، فماذا عنهم؟

لا يحق لهذه الدول ان تمارس حق الفيتو. فإذا ما أمنت اميركا اصوات أو عدم ممانعة الاعضاء الدائمين «دون الفيتو»، فإنها تبقى بحاجة إلى أربعة اصوات من الاعضاء غير الدائمين ، وهذا امر غير صعب على الاطلاق. فمن خلال عرض الاسماء غير الدائمة يبدو ان الكل قد يوافق، باستثناء سورية. لماذا؟ هي البلد الاكثر تضررا من خلال ضرب العراق، خصوصا إذا كانت سورية ممانعة. فضرب العراق قد يعزلها ويفقدها العمق الاستراتيجي الحيوي لها. وقد يوقف تدفق النفط العراقي إلى اراضيها ها عدا عن عزلها عن إيران. لكن الادارة الاميركية، وبهدف ارضاء سورية اظهرت عن عدم موافقتها على قانون محاسبة سورية الذي بدأت مناقشة في الكونغرس. لكن سورية تريد الاطمئنان على مصير الجولان، وعلى مدى عدائية السلوك الإسرائيلي تجاهها في مرحلة ما بعد ضرب العراق وعلى دورها في المنطقة ايضا.

في الختام، قذ يشكل استصدار قرار مجلس الامن فيما خص العراق، مخرجا لكل الممانعين، خصوصا بعض الدول العربية. لكن الامر يبقى السؤال عن اية مبادرة عربية استباقا لآي قرار من مجلس الامن، نظرا للمفاعيل السلبية على كل العرب في حال الحرب. فهل هذا ممكن؟ وإذا أتت المبادرة فهل سيكون الثمن لارضاء اميركا، اقل من الاطاحة بنظام صدّام؟ وإذا اشتملت المبادرة العربية على تغيير النظام، فهل سيقبل الرئيس صدّام؟ وإذا تضمنت المبادرة الإطاحة بصدّام، فمن يملك الجرأة على قراءة محتواها على الشعب العربي؟ اسئلة محيّرة وصعبة. التجارب السابقة لا تشجع

العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً