مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في مايو/ أيار ، تزداد التباينات داخل الصف الواحد، يميناً ويساراً، كما باتت كل الضربات السياسية والاقتصادية بما فيها الفضائح المتبادلة مسموحاً بها، كذلك المساس بالخطوط الحمر التي كان تم الاتفاق في الماضي على عدم تجاوزها، ففي خضم هذا التخبط الكبير تظهر أهمية الصوت العربي وتأثيره في الدورة الثانية، إذ إن الجميع يحاول الآن كسب ود الجالية المغاربية بغالبيتها بما في ذلك حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف.
لقد أربكت المواقف الاستفزازية المتكررة الصادرة عن وزير الداخلية نيكولا ساركوزي حيال الجالية العربية المسلمة بغالبيتها، والمقدر عدد أصولها بنحو ملايين، الأكثرية الموجودة في السلطة والمشكلة بالاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي أنشأه الرئيس الحالي جاك شيراك الذي يقوده الأول حالياً، ولا يتردد المحيطون برئيس الجمهورية في الإشارة إلى أن تصرفات وزيره الاستعراضية - وهو المرشح أيضاً للرئاسة - الهادفة إلى كسب أصوات الفرنسيين المحافظين، ستكون لها من دون شك انعكاسات جداً سلبية على مرشح هذه الأكثرية سواء التوجه بجذب أصوات هذه الشريحة التي أثبتت على الدوام تعاطفها ودعمها لحزب «الجبهة الوطنية» الذي يقوده جان ماري لومين، وأوصلته إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعد تفوقه على مرشح الاشتراكيين، رئيس الوزراء السابق «ليونيل غوسبان».
ويساهم انعدام الوضوح لدى الطرفين الرئيسيين حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» والحزب «الاشتراكي» حيال اختيار المرشح الاوفر حظاً قبل عطلة الصيف لخوض هذا الاستحقاق في تحول الاهتمام بالصوت العربي، هذا الأخير الذي يبدو أنه سيلعب هذه المرة دوراً في ترجيح الكفة، ما تدركه جميع الاطراف وتعمل منذ الآن على أساسه في محاولة الاستقطاب ما أمكن من هذا الخزان الذي يمكن ترجيح الكفة في حال حدوث شبكة كبيرة في الاقناع عن التصويت، تقابلها كثافة في الاقبال من قبل الجالية المغاربية خلافاً للجولات السابقة.
وإذا كان العام ومطلع العام يعتبران بمثابة مرحلة استفزاز للجالية العربية المسلمة وخصوصاً تحديداً بعد حوادث الضواحي، إلا أن ما يجري منذ مطلع شهر ابريل/ نيسان الماضي من خطوات ايجابية ملفتة من قبل جميع القوى، بما في ذلك حزب «لوبين»، يمكن تفسيره بالحاجة الملحة إلى أصوات العرب المغاربيين، فمن التنافس على الاساءة لهذه الجالية سواء لناحية اتهام أبنائها بعدم القدرة على اندماجهم في المجتمع الفرنسي أو سواء لناحية وصف مجموعات منهم من قبل وزير الداخلية بالحثالة، أو اعتبارهم فاشلين مهنياً ودراسياً، ومنحرفين أو متطرفين إسلامياً، إلى التسابق إلى الإشادة بخصالهم وبدور آبائهم التاريخي في الدفاع عن الجمهورية الفرنسية خلال الحربين العالميتين، كذلك نجاح الأبناء في دراستهم وولاؤهم لوطنهم فرنسا، ومن المفارقات الملحوظة في هذا التحول بمعدل درجة قيام أحزاب اليمين «المعتدل» وبعض المتطرفين منه بإنشاء لجان مؤلفة من بعض العرب الفرنسيين المنتمين إليها لدراسة كيفية التقرب من هذه الجالية واشتراكها في العملية الانتخابية لصالحها عبر تقديم التسهيلات في الوظائف والخدمات الاجتماعية بجميع أشكالها، فقد باتت والحال هذه لكل حزب تحديداً، الاتحاد من أجل الحركة الشعبية و«الحزب الاشتراكي» عربهم ومسلميهم، ومن مظاهر هذا الاهتمام الاستثنائي بالصوت العربي الذي يتوقع بعض المحللين السياسيين أن يشكل «بيضة القبان» قيام الرئيس جاك شيراك بالمشاركة العلنية في تكريم المحاربين القدامى من المغرب العربي، وإفريقيا والاقرار بحقوقهم المنسية منذ ، وإلقاء خطاب يمجدهم ويمجد بطولاتهم في الدفاع عن الوطن فرنسا، كذلك تعمده تسليم الجنسية لطالبيها من هؤلاء العرب والافارقة ضمن احتفال إعلامي، كل ذلك تم خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي.
خريطة مجهولة المعالم
تجد السلطات الفرنسية المتتبعة خصوصاً لأوضاع الجالية العربية المغاربية صعوبة بالغة في تقدير توجهاتها الانتخابية حتى الآن، كذلك تقييم مدى نجاح الأحزاب الكبرى في جذب أصواتها حتى الآن. وفي السياق ذاته، يتوافق جهازا المخابرات الداخلية (دي. اس تي)، والمخابرات العامة، على تأكيد أن الصوت العربي يمكن أن يشكل هذه المرة مفاجأة للجميع، وتفيد بعض المعلومات التي يتداولها محللو أحد هذين الجهازين أن العرب والمسلمين سيعود لهم مرشح أو مرشحان خلال الدورة الأولى، ما يقلب المقاييس والحسابات رأساً على عقب، لذلك سارع بعض قادة الأحزاب الرئيسية للتحرك باتجاه الجزائر التي تملك العدد الأكبر من الجالية التي تنتخب والمغرب وتونس من أجل مساعدتها على فك بعض رموز التوجه الانتخابي لجالياتها محاولة الضغط بحيث لا يكون هناك أي ترشيح عربي في الاستحقاق القادم، لكن النتائج التي توصل إليها مبعوثو هذه الأحزاب، بما في ذلك رجالات رئيس الجمهورية ووزير الداخلية كانت هزيلة، إذ تبين أن هذه الدول على رغم فعالية أجهزتها لم تتمكن هذه المرة من التحديد المسبق للخريطة التي لاتزال معالمها مجهولة، ما دفع بالأجهزة الفرنسية إلى تحريك ادواتها من خلال الاقتراب من أوساط التيارات الدينية لاستشفاف توجهاتها الانتخابية، وفيما إذ كانت هنالك نوايا جدية لتقديم مرشح عربي مسلم على غرار ما حصل في الانتخابات الأوروبية.
ويرى بعض المراقبين أن قيام في المئة من المترشحين العرب بواجبهم الانتخابي من شأنه من دون شك أن يغير المعادلة وخصوصاً بعد وضوح الرؤية في الجولة الثانية، وتفيد بعض الاستطلاعات التي كلفت بها الأحزاب مؤسسات خاصة لإعدادها بعيداً عن الإعلام، أن هؤلاء المقترعين لم يحسموا أمرهم بعد في حين أنهم لن يعطوا أكثرية أصواتهم لليسار، كما أنه في حال رشح حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» ووزير الداخلية نيكولا ساركوزي، فإن العرب المسلمين سيحاربونه من خلال إعطاء أصواتهم لجهة أياً تكن، بما في ذلك جاك ماري لوبين اليميني المتطرف، على هذا يعلق مفكر وكاتب جزائري مقيم في فرنسا منذ عاماً، أنه من الأفضل لهذه الجالية مواجهة رئيس جمهورية مثله، واضح في مواقفه العدائية بدلاً من الذي يحاول إظهار اعتداله لكنه في الواقع يخفي عنصرية خبيثة، ويضيف هذا الأخير، ربما سيحاول هذا الرئيس اليميني المتطرف باثبات أنه غير عنصري ويتقرب بالتالي من الجالية وهمومها.
فالاستحقاق الانتخابي القادم معقد بشكل كبير، وقد أدى اكتشاف هذه الحقائق عبر استطلاعات الرأي الخاصة، والمعلومات التي رشحت عن الأجهزة الرسمية الفرنسية إلى دفع الأحزاب جميعاً تقريباً الى التقرب أكثر فأكثر من العرب، كذلك تخصيص موازنات إعلامية تساعد هذه العملية، إضافة إلى إنشاء لجان مختصة تعمل على مساعدتهم في حل مشكلاتهم اليومية.
ومن المفارقات الأخرى قيام بعض الشركات الكبرى بما فيها المصارف بزيادة هوامشها في توظيف أبناء الجالية من الحاصلين على شهادات جامعية في الفترة الأخيرة، ذلك لكون جميع هذه المؤسسات مرتبطة بشكل أو بآخر بمجموعات الضغط التابعة لهذه الأحزاب.
ومن الظواهر الأخرى التي توصل إليها بعض المحللين، تأثير القوى الإسلامية في الناخب المغاربي تحديداً، بناء عليه لن تحصل قوى اليسار المتطرف ولا الحزب الشيوعي الفرنسي كالعادة على قسم كبير من الأصوات العربية، ذلك على رغم المساعدات العملائية التي تقدمها إلى الجالية «فالموقف من فلسطين» سيكون مقياساً للتصويت العربي، هذا ما أكده الكثير من قادة المنظمات الشبابية وأئمة المساجد التي تعمل وفق القوانين الفرنسية المرعية الإجراء، ولم ينس مسئولو الأحزاب الفرنسية حتى الآن خوض لائحة في الانتخابات الأوروبية تحت شعار: أوروبا - فلسطين - وحصلت على نسبة فاجأت الجميع، لذلك من المتوقع أن يكون لهذه المسألة حساب لدى المرشحين للرئاسة الفرنسية، ذلك فيما لو أرادوا كسب ود الصوت العربي، المصمم هذه المرة على فرض وجوده في الدورتين الأولى والثانية.
ومن المتوقع أن تظل معالم هذا التوجه الانتخابي العربي بنهاية العام الجاري وليس قبل ذلك التاريخ بحسب مصادر رسمية وحزبية فرنسية. فالعرب ينتظرون اختيار الأحزاب لمرشحيها أولاً، ومن ثم إعلان برامجهم الانتخابية بشقيها السياسي والاجتماعي والمواقف من مسألة الهجرة والاندماج في المجتمع الفرنسي، من الآن حتى تظهر هذه المعطيات يقوم العرب بتنظيم صفوفهم وتحديد سقف مطالبهم ورفع درجات وعيهم كي لا يكونوا كما في كل مرة على هامش التأثير في مجريات الأمور
العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ