العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ

الكويت انتخبت... ولكن

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

الأزمات السياسية تواجه - في الغالب - في البلاد العربية بتعديل بعض نصوص الدستور هروباً من مواجهة الأزمة. في الكويت تواجه الأزمة بانتخابات جديدة، وقد ضج كتاب كثيرون بشأن شفافية الانتخابات في فلسطين منذ أشهر، ولكن بعضهم لم يشاهد حوادث الخميس الماضي في الكويت، إذ تحول اليوم إلى شبه عيد لم يشبه ما يصاحب الانتخابات في العالم الثالث من اضطراب، وانتهى بإعلان نتائج أخطر انتخابات في الكويت في مطلع القرن الحادي والعشرين، إن أحسن توظيف نتائجها.

المعركة الانتخابية وراءنا الآن، ولكن ماذا عن المستقبل؟ وهو يتطلب الكثير من الجهد والكثير أيضاً من التضحية.

العلاقة بين الهيئة التشريعية والإدارة التنفيذية في الكويت علاقة ليست «صحية» ومنذ زمن طويل وأقعدت العمل الوطني عن الفعل الإيجابي، ويرى بعض المراقبين أنها لن تصحح في ظل أجواء التصعيد وروح الانتقام والتهميش المتبادل. بعض هذا حقيقي ولكنه الأقل في النسبة وبعض منه متخيل. وتقع مسئولية تفكيكه، وخصوصاً الحقيقي منه على الطرفين، الحكومة والمجلس.

الحكومة من طرفها قصّرت في أن تأتي ببرنامج واضح ومحدد ومتكامل لخدمة الناس، كل الناس، وقد كانت في السابق ولعدد من العوامل عاجزة أو غير راغبة في ذلك، والمجلس قصّر في أن يتفرغ حقيقة للتشريع، بل وأجهد نفسه (كأشخاص) في آلية ليس مفترضاً أن يقوم بها، وهي متابعة معاملات «شخصية» أو نيابة عن الناخبين.

في هذه المعادلة (التعنت والتدخل) يكمن الكثير من «الفساد» الذي تحدث عنه كثيرون إبان الحملة الانتخابية، إذا كان «الفساد» في معظمه، ستخدام سلطة لتحقيق مصلحة لشخص مباشرة أو مداورة، فإنه فساد يتطلب طرفين (فاسد ومفسد)، وأساسه تعطيل القوانين أو تطبيقها بمزاجية وهو مثل كرة الثلج تكبر كلما تدحرجت على الأرض، وهو «سمعة». وعلى السلطة التنفيذية عبء تخفيف هذه السمعة عن طريق وقف التدخل المباشر لممثلي الشعب من أجل تحقيق المصالح المباشرة في شئون الإدارة العامة، وأن يكون هذا الوقف واضحاً من دون خضوع إلى ابتزاز أو خضوع إلى الاستثناء، وأن يتزامن ذلك الوقف مع برنامج وطني لتقديم خدمة إلى الناس بالتساوي عن طريق القانون.

ويرى البعض أن هناك أموراً عاجلة على المجلس الجديد أن ينظر فيها، ولعل أولها تخفيف المخاوف عن الديمقراطية الكويتية من أن تتلاشى فعالياتها من خلال استهلاك قواها الداخلية، فقد تبين أن هذا الزخم الكبير في الحشد من خلال حملة انتخابية سريعة ومكثفة لم تستطع أن تحشد سوى في المئة من أصوات الرجال و في المئة من أصوات النساء، وبنسبة تراجع واضحة في إقبال الرجال مقارنة بكل الانتخابات السابقة، ونسبة متواضعة كثيراً في إقبال النساء، كان يظن أنها ستكون أكبر وأوسع مما تمت فعلاً.

ربما كانت هناك أسباب كثيرة لقلة الإقبال على التصويت، قد يكون منها قصر زمن الحملة الانتخابية وفجائيتها في التوقيت، وقد يكون التوقيت الصيفي الحارق معطلاً لإقبال البعض، ولا يمكن أن نستبعد أيضاً التفسير السياسي، إذ اختار في المئة من الرجال الابتعاد عن الصناديق واختارت في المئة من النساء الأمر نفسه. ومحدودية مشاركة المرأة نسبياً هو الملفت للنظر إذ توقع كثيرون أن تكون النسبة أكبر من ذلك بكثير في أول انتخابات تاريخية تشارك فيها المرأة في الكويت.

حقيقة الأمر أن إدماج المرأة قد تم شكلاً ولم يتم فعلياً، وهو أمر يحتاج المدافعون عن تعميق الديمقراطية إلى أن يستخلصوا الدروس منه، ولعل هذا القصور في التمكين نابع أساساً من قصور في التثقيف، وربما في القيم الاجتماعية التي لم ترسخ من خلال وسائل الإعلام أو التعليم. وهو أمر لا يخص السلطة التنفيذية وحدها، بل ويخص أيضاً السلطة التشريعية، التي وقع أعضاؤها بانتماءاتهم المختلفة، تحت وهم «وعي المرأة» بحقوقها فتوجهوا إليها من خلال حملاتهم الانتخابية، على أساس أنها جاهزة للانخراط كشقيقها الرجل في العملية الانتخابية المعقدة. خصوصية الأمر للسلطة التشريعية كون المرأة (والرجل) مرجعية العمل الديمقراطي من الآن وصاعداً، وتهميشها هو تهميش للعملية الديمقراطية وشلل لها.

ولعل ما يجب أن يلفت نظر السلطتين في هذه الانتخابات العاجلة والخاطفة، دور الشباب من جهة ودور وسائل الاتصال الحديثة التي استخدمها الشباب من جهة أخرى، وكلاهما معاً شكل ثنائياً غير مسبوق، فقد انخرط الشباب، منذ اندلاع الأزمة، وأثناء الحملة الانتخابية بنشاط حيوي ملحوظ، وكان سلاحهم الأساسي هو الوسائل الحديثة: مواقع الإنترنت والبلوجز وأيضاً الرسائل القصيرة على التلفونات النقالة، وكانت وسيلة للحشد والتثقيف معاً. كما أن كثيرا من المرشحين التجأوا إلى الشباب ليس من أجل الاستعانة بهم في الدعوة والحشد والمعاونة، ولكن أيضاً قدموهم على منصات الخطابة الجماهيرية، ليس ذلك فقط ولكن بعض الشباب نظم لقاءات مستقلة مع عدد من المرشحين، وكانت تعليقاتهم في تلك اللقاءات تنم عن إدراك عال بما يدور حولهم، وهو يعني من جملة ما يعني أن عنصر الشباب يتطلع لتحقيق إصلاحات أكبر في الحياة العامة، هو هذه المرة قد انخرط في متابعة وتأييد «مطالب» وطنية «نبيها خمس»، و«ضد الفساد»، إلا أن الأدوات السياسية التي تعرف عليها هؤلاء الشباب، في حال إهمالهم وتهميشهم من أي من السلطتين، قد يقودهم إلى استعمالها ضد إحدى السلطتين. وربما يكون هذا الاستخدام ضد من وعودوهم «بالقمر» وتبين انه كسوف!

يبدأ نشاط المجلس المقبل على خلفية معركة سياسية صلبها «إصلاح قانون الانتخاب» كمقدمة لإصلاح النظام السياسي ككل، من أجل مشاركة أوسع، وشفافية أكبر. أي إصلاح البنية السياسية كمقدمة لتحقيق مستوى أعلى من المعيشة والنهوض بعوامل التقدم. وإذا كانت المعركة التي انجلت قد خلفت شيئاً، فإنها خلفت إبهاما للجمهور لم يُرد عليه حتى الآن، وتأخير الرد سيزيد من المخاوف على الديمقراطية من داخلها. أسئلة تطرح مثل متى سيقر تعديل النظام الانتخابي؟ ومتى سيطبق؟ هل سننتظر إلى العام من أجل التغيير إلى الأفضل؟ ثم وهذا الأهم: هل تغيير طريقة الانتخاب ستقدم لنا على طبق من ذهب عملية تنموية وخدمية يحتاجها بشغف الجيل الحالي والجيل الطالع؟

تلك أسئلة سيعود الناس إليها من جديد لأن محور العملية التنموية ليس مجرد جوانب محدودة من حياة الناس بل محورها هو الإنسان، وكل ما طرح في الحملة الانتخابية من المفروض أن يكون الوسيلة فقط وليس الغاية.

قد يكون مبرراً أن تتلخص القضايا في «معركة انتخابية جماهيرية» في بعض الشعارات التي تعلق بذهن الإنسان، أما غير المبرر فهو إهمال التنمية ببعدها الشامل والحضاري، والدخول في معارك ثانوية قصيرة الأجل تشغل الناس. إذا كان هناك اليوم إجماع لدى معظم الناس أن الديمقراطية هي الوسيلة المفضلة للتنمية السياسية، بدليل حرص الجميع عليها، فإن العالم قد اجمع أيضاً على أن احترام القانون ورفع شأنه على أن يطبق من خلال مؤسسة (قضائية) مستقلة وعلى الجميع بالتساوي هو الوسيلة الأفضل للعدالة المرجوة، وأن دعم الاقتصاد الحر «اقتصاد السوق» ذي المضامين الاجتماعية هو آلية كفوءة لاستخدام الموارد المتاحة استخداماً أفضل، خصوصاً أن هذه الموارد ناضبة بطبيعتها، كما هو في الكويت. فلا يجوز صرف كل الطاقة على ضلع من هذا المثلث (الديمقراطية) وإهمال الضلعين الآخرين، الاقتصادي والاجتماعي.

لا تستقيم الديمقراطية الحقيقية إلا في مجتمع حر واع ورشيد، وهذا يعني الاهتمام بالجانب البشري المتعلق بالتعليم والتدريب، ولم يكن هناك متسع من الوقت للحديث عن أهمية رقي التعليم إلا فيما ندر إبان الحملة الانتخابية السريعة الماضية، وإذا كان ارتباط الاقتصاد بشئون مادية قابلة للقياس، فإن البعد الاجتماعي يختزل نتائج الجهد السياسي والاقتصادي معاً، ويؤثر تأثيراً بالغاً عليهما، إلا أنه غير قابل للقياس الكمي، لذلك يبتعد كثيرون عن الخوض فيه والحديث عنه مع أنه عمود التحديث المرتجى.

على رغم النجاحات التي حققت في الكويت خلال العقود الأربعة الماضية، فإن «الكفاءة المجتمعية» مازالت قاصرة قصوراً بيناً، ويظهر هذا القصور بشكل واضح في الأزمات السياسية التي تضرب المجتمع بقسوة في فترات متقاربة، فلا توافق على إدارة المجتمع التي تخضع في الغالب للشخصنة والمزاج والهوى والمصلحة، ولا احترام لدور المؤسسات ولا استقرار في الجانب الوظيفي وحتى الهيكلي للإدارة العامة، فكل وزير - مهما قصرت فترة ولايته - يأتي بمشروعات تناقض من سبقه ورجال مقربين في المناصب الحاكمة كثير منهم يفتقد التخصص والكفاءة معاً.

والسؤال الذي يواجهنا بعد حملة انتخابية سريعة: هل وصلنا إلى فهم احتياجنا لكفاءة مجتمعية تخرجنا مما كنا فيه وما نحن قادمون عليه؟ أم أن الأزمة ستظل مستمرة وتتغير فقط شعاراتها؟ ذلك ما ستنبئنا به الأيام المقبلة

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً