في قديم الزمان كانت المئة فلس تشتري بها الكثير، أما اليوم، فالمئة فلس بالكاد توفر لك قنينة ماء صحي صغيرة. لكن في قديم الزمان أيضاً، كان تحصيل المئة فلس أصعب بكثير من اليوم. في زمننا هذا المئة فلس مجرد «خردة» بعد أن نصرف عشرات الدنانير في التبضع. لا بد بأنكم تدركون سبب اختلاف القوة الشرائية بين الأمس و اليوم عبر مصطلح التضخم. هناك الكثير من النظريات الاقتصادية التي تحاول شرح سبب التضخم، لكن يمكننا أن نقول إنه شيء لا مفرّ منه عندما ينمو الاقتصاد و تزداد فيه الحركة المالية و التجارية.
بالطبع التضخم المتواضع يمكن تقبله، لكن التضخم الذي يأتي مع الاضطرابات الاقتصادية و الذي يؤدي إلى فقدان العملة قوتها الشرائية أضعاف الأضعاف غير مقبول (مثلما حصل في تركيا و البرازيل.) و أما دول الخليج التي تربط عملاتها بالدولار أو سلة العملات الأخرى، فهي قد «تستورد» تضخم الدول الأخرى عبر هذا الربط، و الأمر يزداد تعقيداً عندما نضع في الاعتبار سعر النفط، أكبر صادرات المنطقة. فحين نستفيد من ارتفاع سعر النفط عبر زيادة الإيرادات، حتماً سنتأثر بعض الشيء بسبب إضمحلال القوة الشرائية للدولار و غيرها من عملات الربط.
أيام المئة «روبية» و الألف «روبية» فاتت، و لم تبق سوى الذكريات التي هي بذاتها لا يمكنها أن تعيد إلينا البساطة في المعاملات. فاليوم لدينا عدد لا يحصى من التسهيلات، المعاملات و الأوراق المصرفية التي تفي لشتى ظروف المال و الأعمال. و يوماً بعد يوم تزداد الحركة الاقتصادية تعقيداً، من عقود التداول إلى ظهور أسواق مالية جديدة. كل هذه الأمور تدور و تتأثر بالمحور الأساسي للاقتصاد، و هو سعر الفائدة. و الذي يلعب دوراً في معدل الاقتراض و معدل الإدخار.
هل التضخم شيء جيد أم لا؟ الأمر يتوقف على أية جهة من الاقتصاد تقف. في حالة التضخم المتزايد، يستفيد المقترض لأنه سيسدد دينه بدنانير لديها قيمة شرائية أقل (خصوصاً وإن تم تعديل مدخول المقترض ليتوافى مع التضخم.) أما عند الانكماش (عكس التضخم) فقد يستفيد الدائن، لأنه سيستلم دنانير لديها قيمة شرائية أكثر مما كان عليه الأمر عند وقت توفير القرض. وبالنسبة للانكماش، قد نرى حدوثه عندما يتوافر للاقتصاد مصدر أقل كلفة للإنتاج. فهذا تماماً ما حصل مع انفتاح الصين على العالم و توفير عمالة رخيصة فائقة الخبرة. و قد يحدث أيضاً في حالة تدهور أسواق الأسهم، و التي هي كونها ميزاناً لمدى إيمان المستثمرين بصدقية الشركات التي تعمل في الاقتصاد.
وهنا نجد بأنه كلما ازداد الاقتصاد عولمةً وانفتاحاً، أصبح معدل التضخم الوارد فيه قابلاً للتأثير بالاقتصاد العالمي. و هذا ضمن ظروف لا يمكن لدولة واحدة معالجتها عبر سياسة نقدية لوحدها، وخصوصاً إن كانت مرتبطة بعملات دول أخرى
العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ