العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ

الأفكار التصحيحية ورؤية النور ()

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

استكمالا للمقال السابق وإتماما للملاحظات التي لا أقصد بها الأخ الكريم عبدالعزيز القاسم، ولا الرد الشخصي على مقالته في ملحق صحيفة «المدينة» السعودية (الرسالة) بتاريخ مايو/ أيار ، لأن ما عرضه هو نوعية خطاب سائدة في وسط واسع، أراد هو أن يظهرها بأدبه وبراعته الرائعة لتكون محلا للنقاش والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.

سبق في المقال الماضي أن تناولت ملاحظة واحدة حولها، وأورد هنا بقية الملاحظات.

الملاحظة الثانية: قلت في مقالك انك «تدعو الشيخ حسن الصفار إلى أن يخطو خطوات أكبر نحو تجديد وتصحيح كثير من الآراء الجامدة في الفقه الجعفري»، وهذا يفترض أن يكون للشيخ الصفار أجندة إصلاحية في فقه الشيعة وعقائدهم، وعلى ما أعلم ليس للشيخ الصفار أجندة إصلاحية في آراء الفقه الجعفري، ومنظومة الفكر الشيعي، فهل هي أجندة يقترحها الأستاذ عبد العزيز؟ فإن كان الرد بنعم وهو المنساق من كلامه، فهذه أجندة من خارج السياق، ومن خارج المذهب، وإذا كان هنالك إصلاح وتجديد، فما أعهده وأعرفه أن التجديد ينطلق من الداخل وبقناعة ترتبط بالمجدد والمصلح، وليست دعوات تتوارد من الخارج.

ليس هذا لحساسية ما يأتي من الخارج، فنحن وإياكم تلاميذ لآيات القرآن الكريم «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب» (الزمر: )، بل لأن التغيير في كل معتقد وفقه وملة لا يكون إلا من خلال أطرها وقنواتها الطبيعية، التي إذا اقتنعت بالتجديد انبرت إليه وتحملت ويلاته.

الملاحظة الثالثة: إلى أين «يخطو خطوات أكبر»؟ ما الذي يرضيك يا أستاذ عبدالعزيز ويرضي من سميتهم (بالأحبة) وهم أحبة فعلاً، هل عليه أن يخطو خطوات أكبر حتى يتطابق فهمه العقدي والفقهي مع فهمك، وعمله في كلا المسلكين مع عملك؟ إن كل الخطوات والمبادرات النابعة من الداخل الشيعي قد لا يعتبرها الطرف الآخر شيئاً محرزاً ومعتدا به، بل ويرغب في المزيد، وربما يكون هذا هو شعور المسلم الشيعي أمام الخطوات التي يقوم بها المسلم السني. إن التصنيفات جعلت الواحد منا يرى الآخرين من عقيدته ومدرسته بعيدين عنه إذا اختلفوا معه في أمر بسيط، فما بالك إذا كان الاختلاف على مستوى الاعتقاد والحكم الفقهي.

الملاحظة الرابعة: أليس خلطا علينا أن تقول «وكما طالبنا ونطالب الفعاليات والمرجعيات السنية بعصرنة فقهها وتجديده والكف عن الغلو الطائفي، فإن من واجبنا أيضاً مطالبة الشيخ حسن الصفار ورفاقه من الوسطيين بمحاربة الأدبيات الطائفية الغالية داخل الفكر الشيعي حيال الآخر السني»، أنا أوافقك في الشطر الأول لأنك ستتحرك في فضائك المتاح لك، والذي ربما يقبل مطلبك فيه بالعصرنة وربما لا يقبل، أما بالنسبة للشطر الثاني فمرحبا بطلبك وكلنا يشترك معك في هذا الطلب، لكن أبشرك يا أستاذ عبدالعزيز أن هذا الفضاء له رجاله وعلماؤه ومثقفوه الذين يتحركون من داخله ومن خلال معادلته. هؤلاء هم من سيريحك في الطلب والضغط، وهم الأقدر على التأثير في ساحتهم، إذا فلينشغل كل مهتم ومثقف وحريص بموقعه وساحته وخندقه، ولينجز ما أمكنه من مهمات، وليعلم أن الخندق الآخر يعيش حراكه الداخلي، وتموجاته الطبيعية.

الخامسة: هل ما تراه يا أستاذ عبد العزيز من «تجديد وتصحيح كثير من الآراء الجامدة في الفقه الجعفري» يراه الشيخ الصفار؟ أم أن رؤيتك مع احترامي وتقديري لشخصكم الكريم من خارج المنظومة التي أنتجت هذه الأحكام، ورؤيته من خلالها وبها ومعها؟ وهي بالتالي منسجمة ومتوافقة مع تراثه بكامله ولا يرى داع إلى تغييرها أو تجديدها.

السادسة: أيثبت الإنسان صدقيته في دعوته للوحدة والتعاون والأخوة بين المسلمين وأبناء الوطن الواحد بتجديد فقهه وعقيدته؟ إذاً ما معنى عبارتك «مثل هذا التصحيح ومثل تلك الصراحة أدعى كثيراً لقبول الشيخ وترسيخ صدقيته»؟

ولو انحرفنا عن الموضوع قليلاً فهذا نوع من الفرض، وهو شبيه بما تدعو به أميركا كلا من إيران وسورية والسودان والسعودية أن تخطو هذه الدول خطوات كبيرة في الإصلاح كي تثبت صدقيتها واحترامها في المجتمع الدولي، لكن هذا شأن يختلف كثيراً عن الآراء الفقهية والعقدية في أي مذهب وأية ملة، فإذا كنا لا نقبل هذه اللغة في الشأن السياسي، فكيف نقبل قرع مفرداتك في موضوع خطير وحساس يرتبط بفقهنا وعقيدتنا؟

ثم هل بدأ المثقفون والمتنورون أيضاً يتدخلون في قلوب الناس ويفتشون شرايينها ليمحصوا صدقيتهم من عدمها؟ أليس هناك من يكفي المتنورين هذه المهمة، ممن يعتقدون أنهم باب التوحيد الخالص، وغيرهم ملوث قبوري مشرك، لا يجوز التعاون معه حتى يعلن إسلامه على نهج خاص ومدرسة خاصة وربما شيخ خاص؟

هل المطلوب من الذي يقول «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله» (آل عمران: )، أن يثبت صدقيته بتغيير فقهه وعقيدته في أمة تحفظ آيات القرآن وتحسن تجويدها وترتيلها، وهي تنادي «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» (الممتحنة: )؟

على الطرف الآخر هو أن يثبت صدقيته في التعامل مع المختلف إذا مد يده إليه، وأن يقبله كما هو، وليس العكس بأن يركض من مد يده وبخطوات كبيرة كما تريد يا أستاذ عبد العزيز كي يكسب وِدّ هذا ويحظى بالصدقية عند ذاك.

ختاما... أصحاب الشأن وأهل المذهب هم وحدهم الذين يقررون ما هو جامد وما ليس كذلك، ويشخصون ما يجب أن يجدد، كل ذلك من قناعة ترسخ في وجدانهم وتنسجم مع منظومتهم، وليس لعامل الزمن ولا ضغط الناس ولا نضجهم دخل في ذلك، كما أن الأجندة لو كانت ووجدت فستكون داخلية خالصة لا تقبل تسلل أحد إليها، ولا مزايدته فيها.

ولك في القلب يا أستاذ عبدالعزيز كل التقدير والمحبة التي تجاري محبتك للشيخ ومن معه وتنافسها

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً