العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ

إعادة استخدام المياه المعالجة في مملكة البحرين... الفوائد ( من )

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تحت ظروف الإجهاد المائي الذي تمر به مملكة البحرين ومجمل دول مجلس التعاون، وفي ظل تسارع معدلات الطلب على المياه في مقابل محدودية الموارد المائية، تمثل مياه الصرف الصحي المعالجة حالياً مصدراً مائياً مهماً لهذه الدول. ويمكن أن تلعب هذه المياه دوراً رئيساً في إدارة الموارد المائية المحدودة في هذه المنطقة الشديدة الجفاف من العالم إذا ما استخدمت بكفاءة، وخصوصا كبديل لمياه الري في الزراعة الإنتاجية والتجميلية، ويمكن أن تساهم في تخفيف عجز المياه الحالي والمستقبلي في هذه الدول.

ولقد تم إدخال مياه الصرف الصحي المعالجة في الموازنة المائية لمملكة البحرين ومعظم دول المجلس في منتصف الثمانينات نتيجة لعاملين أساسيين: الأول هو استكمال مرافق الصرف الصحي ومحطات المعالجة لها في المدن الرئيسية بدول المجلس في بداية الثمانينات، ما أدى إلى توفير «كميات كبيرة» نسبياً من هذه المياه. والعامل الثاني هو أنه ولاعتبارات بيئية تتم معالجة مياه الصرف الصحي كلياً أو جزئياً بغض النظر عن ما إذا كانت ستستخدم أم لا، وذلك كاشتراط بيئي قبل صرفها إلى البيئتين البحرية أو القارية، الأمر الذي أدى إلى توفير مياه ذات «نوعية جيدة» نسبياً لدول المجلس. ومع زيادة الندرة المائية من جهة، وتوفر هذه المياه من الجهة الأخرى، تم النظر إلى إعادة استخدام هذه المياه بجدية، ومع الوقت تطور ذلك إلى اعتبارها جزءاً أساساً في الإدارة المائية في دول المنطقة.

والمعني بـ «النوعية الجيدة» هو المعالجة الثلاثية للمياه العادمة، إذ تمر معالجة هذه المياه عموماً بثلاث مراحل رئيسية، إذ يتم في المرحلة الأولى التخلص من المواد الصلبة العالقة والطافية من المخلفات المائية، وفي المرحلة الثاني يتم التخلص من المحتوى العضوي ذي الحاجة البيولوجية - الكيميائية للأكسجين (الاعتماد على مجموعة من الكائنات الدقيقة لتقوم باستهلاك المحتوى العضوي القابل للتحلل البيولوجي)، وفي المرحلة الثالثة يتم التخلص من المواد العضوية غير القابلة للتحلل البيولوجي وقتل الميكروبات والكائنات الدقيقة المسببة للأمراض. وبحسب مواصفات منظمة الصحة العالمية لإعادة استخدام المياه البلدية المعالجة، فإنه يمكن عموماً استخدام المياه المعالجة ثلاثياً للري غير المقيد، أي لري المسطحات الخضراء والمتنزهات والمحاصيل التي من الممكن أن يتم أكلها نيئة.

وتذهب بعض الدول إلى أكثر من هذه الثلاث مراحل بإضافة مرحلة رابعة متقدمة للمعالجة، مثل دولة الكويت، إذ يتم استخدام تقنية التناضح العكسي لمعالجة المياه المعالجة ثلاثياً لأخذ الحيطة وتحقيق مستوى «مخاطرة ذو درجة صفر» لضمان التخلص من جميع الكائنات الدقيقة التي من الممكن أن لا يتم القضاء عليها بواسطة طرق المعالجة الثلاثية، بالإضافة إلى تقليل نسبة ملوحة هذه المياه. وتنتج عن هذه المرحلة مياه معالجة نقية يمكن استخدامها لأي غرض من الأغراض. إلا أن إضافة هذه العملية مكلف جداً ولا تستطيع الكثير من الدول أن تتحمله.

وهناك الكثير من الفوائد لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في مملكة البحرين، ولكن كذلك هناك الكثير من المعوقات لهذه العملية. ومن أهم فوائدها أنها تمثل مصدراً إضافياً للمياه؛ فبينما تنحصر استخدامات هذه المياه في أغراض معينة لاعتبارات نوعية، إلا أن إعادة استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية سيتيح لإداريي الموارد المائية في المملكة المحافظة على المياه العذبة للاستخدامات الأخرى ذات الأولوية مثل الاستخدام الآدمي. أضف إلى ذلك تناسب كميات مياه الصرف الصحي مع زيادة السكان والتوسع العمراني، وبالتالي مجاراة الكميات الإضافية المنتجة من هذه المياه لمعدلات الزيادة في الطلب. كما أن الكلفة الحدّية، أو كلفة الحصول على كميات مكافئة لكميات المياه المعالجة الحالية، ستكون عموماً أعلى من كلفة إنتاج هذه المياه المعالجة، وخصوصاً أن المياه المعالجة ستنتج بغض النظر عن ما إذا كانت ستستخدم أم لا، وذلك كما ذكر سابقاً لاعتبارات بيئية.

وتكمن أهمية استخدام هذه المياه في إمكان استخدامها للري الزراعي، المستهلك الأكبر للمياه في مملكة البحرين (وكذلك دول المنطقة) إذ يستهلك القطاع الزراعي نحو في المئة من إجمالي المياه المستهلكة الكلية في المملكة، ويعتمد على المياه الجوفية بشكل رئيسي وبمعدل يصل إلى في المئة. وكما هو معروف، فإن المياه الجوفية في المملكة وبسبب الاعتماد الكبير عليها واستخدامها بمعدلات تفوق معدلات تغذيتها تمر بمرحلة نضوب وتدهور حاد في نوعيتها. ولذلك، فإن المياه المعالجة يمكن استخدامها كمصدر بديل للمياه الجوفية المستخدمة في الري لتخفيف الضغوط على هذه المياه وتحسين وضعها نوعاً وكماً.

بالإضافة إلى ذلك، ومع الزيادة المستقبلية المتوقعة لنسبة المياه المحلاة في شبكة تزويد المياه الحكومية، فإنه من المتوقع أن ينعكس ذلك بالإيجاب على ملوحة المياه المعالجة النهائية، ومن المتوقع أن تصبح ملوحة مياهها أقل من ملوحة المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة حالياً في الكثير من مناطق البحرين. كما أنه وبسبب فقر الترب الزراعية للمواد العضوية والمخصبات، فإن استخدام المياه المعالجة في الزراعة لن يوفر مياه ذات نسب قليلة من الأملاح فقط، وإنما كذلك مغذيات للتربة والنبات على هيئة نتروجين وفوسفور وغيرها من المغذيات، الأمر الذي قد يؤدي إلى خفض استخدام الأسمدة التجارية والذي سينعكس بدوره على المردود الاقتصادي الكلي للمزارعين.

ويمكن كذلك إعادة استخدام المياه المعالجة ثلاثياً في القطاع الصناعي، وخصوصاً أن معظم المياه الصناعية في البحرين تستخدم أساساً في عمليات التبريد، ولا تحتاج إلى مياه عالية الجودة، وقد يؤدي ذلك إلى توفير في الكلف. وأفضل مثال على ذلك في المنطقة هو مصنع تكرير النفط بالرياض، إذ يحصل المصنع على نحو ملايين متر مكعب سنوياً من المياه البلدية المعالجة من محطة المعالجة في مدينة الرياض، ويقوم بمعالجة اضافية لهذه المياه لإنتاج ثلاثة نوعيات من المياه، وهي مياه للتنظيفات العامة والتشجير ومكافحة الحرائق، ومياه للتبريد، ومياه لتزويد الغلايات.

كما يمكن أن يتم استخدام المياه المعالجة ثلاثياً في غسل الرمال وعمليات البناء، وخصوصاً أن معظم مصانع غسل الرمال الحالية في المملكة تقع على الساحل الشرقي في منطقة جنوب خليج توبلي وبالقرب من محطة توبلي للمعالجة، وتستخدم هذه المصانع المياه الجوفية في عملياتها وتساهم بشكل كبير في تدهور المورد الجوفي في هذه المنطقة المتدهورة أصلاً بسبب السحب الجائر فيها وغزو مياه البحر لها. وللأسف أنه على رغم وجود التشريعات التي تمنع استخدام القطاع الصناعي للمياه الجوفية من الخزان الجوفي الرئيسي للملكة منذ العام (المرسوم الأميري رقم /)، فإن مصانع غسل الرمال ما زالت مستمرة في ذلك. ولذلك فإن هناك ضرورة لتفعيل هذه التشريعات مع توفير البديل المتمثل في المياه المعالجة.

ومن أهم الفوائد المحتملة لإعادة استخدام المياه المعالجة ثلاثياً في مملكة البحرين هو إمكان استخدامها للتغذية الصناعية للمياه الجوفية، إذ أن تدهور نوعية المياه الجوفية سببه غزو مياه البحر أو المياه العميقة المالحة لها بسبب انخفاض مخزونها جراء السحب الجائر لها. ولذلك، يمكن استخدام المياه المعالجة الزائدة عن الحاجة أو غير المستخدمة في الشحن الاصطناعي للمياه الجوفية لرفع حجم مخزونها ولخفض معدل هبوط المستويات المائية، وتكوين حاجز هيدرولوجي ضد غزو مياه البحر أو المالحة، أو لتخزين هذه المياه المعالجة في باطن الأرض لوقت الحاجة أو الطوارئ. وحالياً يمثل هذا أحد الحلول الرئيسة والملائمة لمملكة البحرين في ما إذا توفر فائض من هذه المياه المعالجة.

هذا بالنسبة لفوائد إعادة استخدام المياه المعالجة، وسيتناول المقال القادم معوقات إعادة الاستخدام في مملكة البحرين وكذلك تحليل الأوضاع المؤسسية والتشريعية المطلوبة لتحقيق الكفاءة العالية المطلوبة في عملية إعادة استخدام هذه المياه

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً