بما أن مجلس النواب غير قادر على محاسبة المحافظين أو مساءلة الوزراء جديا، فعليه أن يقوم بإحصاء العدد الكلي للمحافظين في مؤسسات الدولة وهيئاتها، لتفصيل الكثير من التشريعات وتعليق بعض الشماعات على كتف أي وزير، بما يتناسب مع جمود الدستور المعدل في العام ، ولو كان الدور الرقابي المتوقع من تلك المحاسبة يصب في خانة التطوير وتحديث المؤسسات، فعندئذ تكون هناك مشروعية وتسبيب منطقي عند إضاعة وقت البرلمان بأسئلة ومسرحيات رقابية عادة ما تختم بجملة «شكراً سعادة الوزير»!
عندما نتحدث عن طرح مجلس النواب مشروع قانون البنك المركزي للبحث والدراسة، فلابد أولاً من إلقاء الضوء على المرسوم بقانون رقم «» لسنة بإصدار قانون بإنشاء مؤسسة نقد البحرين. فقد صدر القانون آنذاك قبل أيام من دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد، بعقول اقتصادية بحرينية، ومازال القانون سارياً لحماية السياسة النقدية للدولة، والمحافظة على ثبات السوق واستقرار الائتمان وقوة النقد، وكان بالإمكان أن يصدر القانون بشكل مغاير، لولا تماسك الجهود المحلية وهي خارج المجلس الوطني لإقناع الحكومة بما جاء في القانون.
ما يدعو إليه مشروع قانون البنك المركزي من انتقال رئاسة مجلس إدارة البنك من رئيس مجلس الوزراء إلى وزير المالية، هو توجه في حقيقة الأمر ينبغي التوقف عنده بتركيز وروية، فحماية الأمن الاقتصادي للدولة عن طريق البنك المركزي تحتاج إلى سلطات عليا مطلقة لا تتوافر عند محافظ مؤسسة النقد أو وزير المالية، ولابد من الرجوع إلى مجلس الوزراء في الكثير من الأمور لتسيير أمور البنك المركزي، وهذه هي الحقيقة التي يحاول المشروع الجديد الالتفاف عليها، وتغليفها بمواد قانونية سيعاني منها المجتمع وخصوصاً المعارضة خلال الفصلين التشريعيين الثاني أو الثالث على الأرجح.
خلال عاماً من إصدار قانون مؤسسة النقد، لم تعان الدولة من حالات انهيار في العملة المحلية، كما حدث في دول عربية كثيرة، ولم تتعرض سوق البحرين للأوراق المالية لهزات اقتصادية، كما حدث في غالبية دول الخليج المجاورة، ابتداء من أزمة سوق المناخ في الكويت، وانتهاء بانتكاسات كبرى هزت أسواق المال حديثاً في كل من قطر والسعودية والإمارات، ولا توجد لدينا سوق سوداء لتداول النقد الأجنبي، إضافة إلى حصر محاولة تزوير الأوراق النقدية وتداولها في حالات فردية نادرة. محصلة ذلك كله، أن أية مغامرة لإصدار تشريع اقتصادي بهذا الحجم، يجب أن تعرض أمام الرأي العام للتأكد من توافقها مع المصلحة العامة من خلال واقعية النصوص التشريعية، وانعكاسها على توجهات ومفاهيم الكوادر الاقتصادية المتخصصة ورؤيتها المتحفظة لهذا التعديل، وليس عيباً أن يستعين المجلس المنتخب أو مؤسسات المجتمع المدني بخبرات قانونية واقتصادية محلية وعربية لتعويض النقص الموجود لديها، ومحاولة منافسة السلطة بمشروعات واقعية تقدم حلولاً قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
لقد قمت باستشارة أحد خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية في هذا الموضوع، إذ أشاد بوجهة نظرنا المتواضعة المتعلقة باستقلالية البنك المركزي وتمتعه بالشخصية الاعتبارية، وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه «لابد من الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية، ولا يجوز لوزير المالية أن تكون له الرقابة على أعمال البنك المركزي، فإدارة السياسة النقدية هي من اختصاص البنك المركزي، بينما السياسة المالية تقع تحت إشراف وزير المالية، وان عملية دمج ادارة السياستين تعني نسفا لمبادئ الاقتصاد وبدعة ستؤدي إلى اضطراب الدولة»... انتهى.
ليس مطلوبا سحب صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وإنما عرض صلاحياته لمراقبة السلطة التشريعية، وهو الأمر الذي ترتعد له أطراف البرلمان ولا يستطيع أعضاؤه البوح به أو حتى الإشارة اليه، مع أننا لا نلحظ تشنج السلطة التنفيذية عند المساءلة في المجلس أو حتى المطالبة بها، بل على العكس تماما، نرى الانفعال وتصلب تعابير الوجه عند بعض أعضاء المجلس النيابي عند مواجهة الحكومة، فقط للتباهي والظهور، والقفز على المطالب الشعبية، من دون معالجة المشكلة بأساليب علمية ناجحة.
بدلا من شراء أزرار بدلة ثم البحث عن قماش مناسب لها، لابد من التوقف والتأمل، فالحديث عن رقابة مجلس النواب لأعمال البنك المركزي يحتاج إلى البحث عن موضع الخلل، فتفعيل سلطات الشعب في هذا الجانب لا يتم عن طريق العبث بالقوانين المحلية ومخالفة المعايير الدولية، إنما الطريق المناسب يكمن في تعديل الدستور عن طريق التوافق بين مجلس النواب ومجلس الشورى، إن كانت أطراف الصراع جادة في تطوير الدولة وخدمة المجتمع.
بعد أن وقع مجلس النواب في زلة التصويت على بعض مواد القانون، يأتي الدور على مجلس الشورى لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وان كانت الديمقراطيات المتقدمة يتم فيها تعيين محافظ البنك المركزي عن طريق البرلمان، فإن أخف الضررين، كما هو متوافر لدينا (حاليا) أن تكون رئاسة مجلس إدارة البنك المركزي لرئيس مجلس الوزراء كما هو معمول به حالياً في المرسوم بقانون، الى أن يتمكن البرلمان من تعديل بعض نصوص الدستور المتعلقة بمساءلة السلطة التنفيذية، أقول ذلك بقناعة مستقلة واجتهاد شخصي غير مسيس، فلسنا بحاجة إلى تصور ذعر قومي لا يتصدى للحقائق
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ