العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ

أنا قلم الرصاص

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

أنا قلم رصاص، القلم الخشبي العادي المعروف لدى كل الصبيان والبنات والبالغين الذين يستطيعون القراءة والكتابة. الكتابة مهنتي وهوايتي. هذا هو كل ما أقوم به. أنا القلم، رغم كل ما يبدو عليّ من بساطة أستحق تعجبكم ورهبتكم. إن لدي أمثولة عميقة أود أن أعلمها، وهذه الأمثولة أستطيع تعليمها أفضل من سيارة أو طائرة أو غسالة أوتوماتيكية، لأني بسيط جدا على ما يبدو. ومع ذلك، ليس من إنسان على وجه الأرض يعرف كيف يصنعني. هذا يبدو رائعا، أليس كذلك؟ خصوصا عندما ندرك أنّ نحو مليار أو مليار ونصف المليار من أمثالي ينتجون سنويا في الولايات المتحدة. أمسكوا بي وتمعنوا. ماذا ترون؟ لا يوجد الكثير مما يسر العين... بعض الخشب والورنيش وماركة مطبوعة ورصاص الغرافيت وقليل من المعدن وممحاة.

إن هناك الملايين من البشر ممن لهم ضلع في صنعي، وما من أحد منهم يعرف كيف أصنع إلا القلائل. ربما تقولون الآن إنني أذهب بعيداً في الربط بين من يجمعون حبوب البن في أقاصي البرازيل والزارعين في أماكن أخرى من العالم وبين ولادتي وإن هذا هو مغالاة في مغالاة. أنا متمسك برأيي، فما من شخص واحد بين هؤلاء الملايين، بمن فيهم رئيس شركة أقلام الرصاص، يساهم بأكثر من جزء ضئيل من الخبرة والمعرفة. ومن وجهة نظر الخبرة والمعرفة، الفارق الوحيد بين عامل منجم الغرافيت في سيلان وعامل الأخشاب في أوريغون هو نوع الخبرة والمعرفة. ولا يمكن الاستغناء عن عامل المنجم أو عامل الأخشاب ولا عن الكيميائي في المعمل أو العامل في حقل النفط، كون البارافين منتجا جانبيا من البترول.

وإليكم حقيقة مذهلة: لا العامل في حقل النفط ولا الكيميائي ولا مستخرج الغرافيت أو الطين ولا أي ممن يعملون في المراكب والقطارات أو الشاحنات أو من يصنعونها ولا من يدير الآلة التي تحفر أشكال الزخرفة على القليل من المعدن الذي يدخل في صنعي، ولا رئيس الشركة يقوم بعمله لأنه يريدني. وربما يريدني كل منهم أقل مما يريدني الطفل في الصف الدراسي الأول.

ثمة حقيقة أخرى أكثر إثارة للدهشة، ألا وهي غياب العقل المدبر أو عدم وجود من يملي أو يفرض هذه الأعمال التي لا تعد ولا تحصى والتي تساهم في صنعي. إن مثل هذا الشخص لا وجود له، وبدلاً منه نجد هذه «اليد الخفية».

أنا القلم، أنا مجموعة معقدة من المعجزات: شجرة وزنك ونحاس وغرافيت، إلخ... ولكن، إلى جانب هذه المعجزات التي تظهر في الطبيعة، تضاف معجزة أكثر غرابة ألا وهي تشكيلة الطاقات البشرية الخلاقة، أو ملايين الخبرات والمعارف الصغيرة التي تتشكل بصورة طبيعية وعفوية استجابة للحاجة أو الرغبة البشرية في غياب أي عقل مدبر بشري!

وإذا كان الإنسان يدرك أن هذه الخبرات والمعارف تنظم نفسها بنفسها، بشكل طبيعي وتلقائي، في أنماط خلاقة ومنتجة تلبية للحاجة البشرية والطلب البشري، أي من دون عقل مدبر حكومي أو أية قوة إكراهية أخرى، عندها يمتلك المرء عنصراً أساسياً مطلقاً من عناصر الحرية وهو الإيمان بالشعب الحر. إن الحرية مستحيلة من دون هذا الإيمان.

وعندما تحتكر الحكومة نشاطاً خلاقاً، مثل توزيع البريد، فإن معظم الناس سيعتقدون أن البريد لا يمكن توزيعه توزيعاً فاعلاً على يد أناس يتصرفون بحرية. وإليكم السبب: كل منكم يقر ويعترف أنه نفسه لا يعرف القيام بجميع الأشياء المرتبطة بتوزيع البريد. وهو يدرك أيضاً أن ما من أحد آخر قادر على ذلك، وهذه الفرضيات صحيحة. وما من فرد يملك الخبرة والمعرفة الكافيتين لتوزيع البريد في جميع أنحاء البلاد أو لصنع قلم رصاص. وفي غياب الإيمان بالناس الأحرار - وعدم إدراك أنّ ملايين الخبرات والمعارف الصغيرة تتشكل بشكل طبيعي وعجيب لتلبية هذه الحاجة - يصل المرء إلى الاستنتاج الخاطئ أنّ توزيع البريد لا يتم إلا «بتدبير حكومي».

إنّ توزيع البريد سهل للغاية إذا قارناه مثلاً بصنع سيارة أو آلة حاسبة أو آلة تجميع عروق الخشب أو آلة التفريز أو عشرات الألوف من الأشياء الأخرى. التوزيع، لماذا؟ في هذا المجال حيث تركت للناس حرية التجربة، يستطيع هؤلاء بث أصواتهم في جميع أنحاء العالم في أقل من ثانية: يستطيعون إيصال حادثة بصورة مرئية ومتحركة إلى أي منزل فور حدوثها وهم قادرون على نقل راكبا من سياتل إلى بالتيمور في أقل من ساعات، ونقل الغاز من تكساس إلى وجاق المرء أو فرنه في نيويورك بأسعار منخفضة لا تصدق وبدون إعانة دعم، ونقل باوند من النفط من الخليج الفارسي إلى الشاطئ الشرقي-نصف الطريق حول العالم - بأقل مما تتقاضاه الحكومة لنقل رسالة وزنها أونصة واحدة عبر الشارع ذاته!

الدرس الذي يتعين عليّ إيصاله هو التالي: أطلقوا العنان لطاقاتكم الخلاقة. قوموا فقط بتنظيم مجتمعكم حتى يعمل بما يتفق مع هذا الدرس. دعوا الأجهزة القانونية في المجتمع تزيل كافة العقبات قدر الإمكان. أطلقوا هذه الخبرات والمعارف من عقالها. كونوا على ثقة أن الرجال والنساء الأحرار سيستجيبون لـ «اليد الخفية». هذا الإيمان سيتوطد. أنا القلم، رغم ما يظهر عليّ من بساطة، أقدم معجزة صنعي كشاهد على أنّ هذا الإيمان إيمان عملي، عملي كالشمس والمطر وشجرة الأرز والأرض الطيبة.

مؤسس مؤسسة التعليم الاقتصادي العام وعمل رئيساً لها حتى وفاته. ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً