العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ

نبضاتالصين حاضرة في نادي الروتاري

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في ظهر يونيو/ حزيران الجاري حضرت الغداء الذي دعاني إليه رئيس نادي روتاري السلمانية، الصديق المهندس محمد صلاح الدين، وكذلك إلقاء كلمة حول التطورات السياسية والاقتصادية الأخيرة في الصين، وإطلالة على تاريخها القديم وما تعرضت له من استعمار بغيض وهيمنة أجنبية. سبق إلقاء كلمتي غداء تقليدي كريم، والتقيت كالعادة مجموعة من رجال الأعمال الأعضاء، كان منهم الصديق عبدالرحمن يوسف فخرو، ذكرته وأنا على منصة الخطابة بمحصول «البمبر» الوفير هذا العام في حديقة منزلي المتواضعة، نظرا لمعرفتي بحبه الجم لـ «آجار» أو «مخلل» ثمرة البمبر الأخضر، أما الأصفر الناضج اللزج فهو حلو المذاق ومسهل جيد لكل قبض أو إمساك كما يقول أهل العلم. وحتى يومنا هذا يقبل الناس في البحرين على تناول هذا المخلل مع الوجبات الشعبية، كما أطلقت بعض النكات على الحاضرين لأخفف عنهم من إلقاء كلمتي الرتيب وخصوصا بعد الغداء الدسم إذ لاحظت النعاس قد غشي بعضهم، ومن هذه النكات أنه عند انبثاق حركة فتح الفدائية بقيادة ياسر عرفات قام بزيارة قادة البلاد العربية ومنهم حاكم أبوظبي الشيخ زايد في العام . وكلما قدم عرفات شخصية فلسطينية نعته بأبو فلان، وكان عددهم كبيرا، وهنا عتب الشيخ زايد على عرفات لعدم معرفته أسماء هؤلاء فخاطب عرفات بدعابة ظريفة: طالما أن الحال على هذه الشاكلة فأنا أيضا أبوظبي، فضحك الجميع.

عندما أخبرت أحد الأصدقاء العازفين عن نادي الروتاري أنني عانيت صعوبة في إلقاء كلمتي على منصة فندق الهيلتون بسبب ضعف الإضاءة الخافتة وكأننا في ناد ليلي، فقد كانت الكلمات تتراقص أمام عيني محاولا الإمساك بها بما استطعت من قوة، قال صاحبي معلقا: «لقد نلت جزاءك، فهذا النادي ماسوني»، فقلت إنها مناسبة مفيدة لنلقي الضوء على ما حققته الصين من إنجازات اقتصادية بارزة، وعلينا نحن العرب الاستفادة من تجربة الصين الاقتصادية والإنمائية. من منا لا يعرف الصين إنها بلاد الديانة الكنفوشية، التي ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد، نسبة إلى الحكيم والمعلم كنفوشيوس، وكانت لها السيادة والغلبة على الفكر الصيني في معظم العصور، وكان لها تأثير كبير في مجتمع الصين الإقطاعي والفوضوي بل والبيروقراطي إذ تسوده وتمزقه الحروب والنزاعات. وقد دعا كونفوشيوس إلى نشر التعليم الشامل، وألا يتولى المناصب الإدارية والأكاديمية بل والدبلوماسية إلا أهل المعرفة والعلم والخبرة والدراية، لا أهل الجاه والحظوة الاجتماعية فقط.

في عهد أسرة هان كانت الكونفوشية هي عقيدة الدولة الرسمية للمجتمع البيروقراطي الذي يقدس أبوية النهج وسطوته وجبروته، أما البوذية فقد انتقلت من موطنها الأصلي في الهند إلى الصين منتصف القرن الأول الميلادي. ثم تدفقت آنذاك النصوص والتعاليم البوذية إلى الصين وتركت آثارا واضحة على العلم والفكر الصيني، بل جعلتها ذات وجهة علمية، فعاشت الصين ردحا من الزمن تتنازعها تعاليم الكنفوشية والبوذية، وتركت بصماتها واضحة على سلوك الناس بكل طوائفهم وطبقاتهم حتى يومنا هذا.

وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت الصين حركة إصلاحية واسعة نشيطة في نسقها وإصلاحات اقتصادية كبيرة، وأصبحت مثلا يحتذى في آسيا كلها، بل وفي العالم، مثلها مثل اليابان. فقد خرجت الصين من مجتمع اشتراكي منغلق إلى بناء قوة اقتصادية وصناعية حديثة، ونهجت ليبرالية اقتصادية قوية أدت إلى إصلاح سياسي ومن ثم إقامة حكومة مسئولة تتمتع بالكفاءة والاقتدار والمسئولية. وفي نهاية السبعينات من القرن العشرين بدأت الإصلاحات الاقتصادية الجبارة على يد الزعيم دينغ شياو بينغ، وخلال عهده بعثت الصين إلى الخارج ومنها أميركا وأوروبا آلاف الخبراء الصينيين الأكفاء لدراسة القانون المدني والجنائي وقوانين حقوق النشر والاستثمار والملكية.

عند وصولي إلى بكين في سبتمبر/ أيلول لاحظت أن كبرى الشركات الأميركية وكذلك الأوروبية ولكن بنسب أقل، تتسابق على الفوز بنصيب أكبر في الاستئثار بالاستثمار الواسع لشركاتها العملاقة في الصين مستغلة تسهيلات السوق الصينية الواعدة من أداء جيد وحسن إدارة ومعدلات نمو اقتصادية مرتفعة وعمالة رخيصة لا يمكن منافستها عالميا. ولا تغفل مصالح الشركات الأجنبية الكبيرة حيث وصلت مساهمتها إلى في المئة في ميدان صناعات آلات التصوير والثلاجات والغسالات وأجهزة التلفزيون. وفي الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور توجه كل اهتماماتها في الاستثمار الكبير في صناعة الالكترونيات المتقدمة ذات النوعية عالية الجودة، وهي تحقق اليوم تطورا وتقدما في هذا الميدان المهم. وتنتج كل هذا بكلفة أقل لتصبح قادرة على المنافسة وخلق صناعة صينية في ميدان التكنولوجيا. ويتوقع المراقبون السياسيون في العالم أن يكون منافسا شرسا لأميركا في العقود الثلاثة المقبلة، فهل ستبرز الصين كقوة عظمى منافسة؟

إن الصين تنمو اقتصاديا بصورة مذهلة، بل هي صاحبة أسرع معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وهذا يعود إلى أن الشعب الصيني يملك مواهب تجارية بالسليقة والفطرة المتوارثة. لاحظت خلال إقامتي في الصين أن الطبقة الصينية المتوسطة تنمو أيضا بصورة سريعة على عكس الحال في العالم العربي. وأن السوق الصينية تسير على نمط غربي استهلاكي، وذلك من خلال ما شاهدت من إقامة مجمعات اقتصادية كبيرة وإنفاق مليارات الدولارات على إنشاءات البنية التحتية من طرق وخطوط مواصلات وشبكة اتصالات ومراكز تكنولوجيا المعلومات وذلك ابتداء من عقد التسعينات من القرن العشرين

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً